أي بلد هذا الذي تُطلب جنسيته، وأي وزير هذا لبلد فيه لبنانيون أقل عددا من البرازيل مثلا، بلد جميل غني بالثقافة والفنون والحضارة وفيه من أهله من هم كراما أعزاء، دمرته طغمته الحاكمة التي ورثت حكمه بعد احتلال آل الأسد له ليكونوا هم أدوات لكل مشاريع التخريب، حتى لتخريب بلدهم، الوزير لم يخجل وهو يستقبل وزير الخارجية الفرنسي من أن يقول "إدماج النازحين في لبنان محظور ومرفوض"، يرفض حتى أن يعمل السوري بعرقه ليأكل ويعيش، ويعتبر ذلك اندماجا محظورا ومرفوضا، وليستشهد بكل صفاقة أمام ضيفه الفرنسي "الأوربي" باعتبار النموذج الأوربي الوحدوي أثبت محدوديته فيما يتعلق بالاندماج بين الرعايا الأوربيين، فكيف بالمهاجرين، ليعود ويحرض على المهاجرين لأوروبا في حضرة الوزير.
جبران باسيل لا يريد أبناء الشعب السوري الهاربين من جحيم بشار الأسد، أن يكونوا في لبنان وكأن الوجود في لبنان خيارهم الطوعي، وهم الذين تعايشوا في بلدهم عشرات السنين، وقاسوا من ظلم الأسد ولم يتركوا أراضيهم وبيوتهم إلا مرغمين بعد أن أحالها طيران الأسد رمادا، هؤلاء كانوا رغم كل ظروفهم يفضلون أو أغلبهم على الأقل العيش في سوريا بينما كانت الهجرة والهرب خيار كل لبناني على الإطلاق، في ظل حكم باسيل ومن قبله ومن معه الذين جيروا البلاد لخدمتهم ولخدمة الطائفية السياسية التي يعلمون جميعا أنها لن تمنح الفرصة للبنان ليكون بلدا طبيعيا له رئيس على الأقل، ولخدمة هذه الأجندة مثلا استغل باسيل مؤتمرا للعمل البلدي في تيار "عمه" للتحريض العنصري على السوريين النازحين بالقول حرفيا "ممنوع في أي بلدة من بلدياتنا ألا تمر الشرطة البلدية مهما كان عديدها على تجمع للنازحين إلا وتقوم بعملية تفتيش"، وأضاف "على البلديات منع أي تجمعات أو أي مخيمات للنازحين السوريين داخل بلداتنا". وكأن هذه البلدات ورث أبيه، لكن للأسف جمهوره صفق!
في لبنان ليس سرا كل ما يحصل للسوريين، ولا يعتبر عيبا على الأقل أخلاقيا أن يحرض وزير أو مسؤول رسمي بشكل عنصري فج عليهم ولا جدوى من التذكير بأن هؤلاء حلفاء الأسد وحسن نصر الله، سبب المأساة برمتها، لكن لا ضير أيضا من التأكيد على أهمية خيارات السوري الذي سيختار العودة لبلده عندما تكون أمامه فرصة أو شبه فرصة، وهذا بدا واضحا جليا في المثال التركي الذي فتح باب الهوى لأيام العيد فقط لنشهد تدفق النازحين العائدين لقراهم المدمرة والوقوف على أطلالها دون تردد وهذا كان الخيار، وتزامن ذلك مع اعلان من الرئيس التركي باهتمام أنقرة بمنح جنسية تركية للسوريين "النخبة" من أصحاب المال أو الخبرات والعقول دون أن نشهد لها صدى ملحوظا في أوساط السوريين الذي لا يملون التذكير بأنهم عائدون إلى بلادهم بعد أن يرحل النظام الذي يحول بينهم وبينها، هذا فضلا عن عظمة المثال الذي يضربه من يعيشون يومياتهم تحت القصف بالصواريخ والبراميل في عموم الأرض السورية (ماعدا المنطقة الخضراء الساحلية)، هؤلاء الذين لم تستح الأمم المتحدة عندما طالبت بترحيلهم من أحياء حلب المحررة "خوفا" عليهم من القصف دون حتى أن تطلب إيقاف القصف من الأسد أو روسيا حتى بالتصريحات.
يدرك السوري أينما كان أنه سيعود إلى بيته وأرضه، وهذا خياره لكن هي مسألة وقت، ويدرك أيضا أن تركيا أو الأردن أو غيرهما من دول الجوار لن تكون له حضا دافئا بعد استنزاف قضيته للقدر الممكن من الابتزاز والشحادة والمقايضة، يدرك السوري كل ذلك ويعلم من تجربته القصيرة نسبيا وتجارب غيره الطويلة أن حياته وأولاده لن تكون أفضل كغرباء ويعلم السوري في لبنان أن وزير "كارولينا" لا يحب الغرباء.
التعليقات (1)