مصالح إسرائيل في المصالحة مع تركيا

مصالح إسرائيل في المصالحة مع تركيا
يشكّل اتفاق المصالحة بين تركيا وإسرائيل، والذي توصلتا إليه، بدايةً لمرحلةٍ جديدةٍ، ليس في علاقة الجانبين فحسب، بل وفي مكانة إسرائيل الجيوسياسية في المنطقة برمتها، وسينعكس على علاقتها مع أطرافٍ إقليميةٍ ودولية كثيرة، حيث ستكون له تداعياته الكبيرة على مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، سواء فيما يخص علاقة إسرائيل مع قطاع غزة أو مكانة إسرائيل ودورها في المنطقة والعالم، في ظل ما تشهده المنطقة العربية من صراعاتٍ متعدّدة، وبلورة قوى مركزية في المنطقة، في ظل غياب القوى العربية ودورها في الحفاظ على مصالحها وعدم قدرتها على تجاوز خلافاتها وبلورة موقفٍ عربيٍّ موحد قادر على ترجمته قوةً عربيةً في ظل منافسة القوى الأخرى، للسيطرة على المنطقة العربية سياسياً وأمنياً واقتصادياً وثقافياً.

على الصعيد الفلسطيني، شكل الهجوم الإسرائيلي على سفينة مرمرة التركية، واستشهاد عشرة ممن كانوا على متنها، والذين كانوا في عرض البحر الأبيض المتوسط في رحلةٍ بحريةٍ لكسر الحصار الإسرائيلي البحري الظالم على قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية والغذائية والدوائية، إلا أن الاتفاق الذي تم توقيعه بين تركيا وإسرائيل خلا تماماً من التطرق إلى الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، وتراجعت الحكومة التركية عن مطلبها السابق رفع الحصار شرطاً للوصول إلى أية اتفاقية مصالحة أو تطبيع مع إسرائيل، ما قد يتم فهمه إقراراً واعترافاً تركياً بالمصالح السياسية والأمنية الإسرائيلية التي تقف خلف حصارها الخانق لحوالى مليوني فلسطيني، يعيشون في أصعب الظروف الحياتية والإنسانية. وبالتالي، اعترافاً تركياً بالحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، الأمر الذي سيؤدي إلى إدامة أمد هذا الحصار، ما دفع رئيس الحكومة الإسرئيلية، بنيامين نتنياهو، إلى التباهي أمام خصومه السياسيين في الحلبة السياسية الإسرائيلية، عندما وصف الاتفاق بأنه شكّل غطاءً وداعماً للسياسة الأمنية الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، وتجاه حركة حماس، وخصوصاً في ظل الانقسام الفلسطيني الداخلي وحالة التجاذب القوية بين حركتي حماس وفتح. وفي ظل الحصار القوي الذي تفرضه مصر، بزعامة الجنرال عبد الفتاح السيسي، على قطاع غزة، وإغلاقها شبه المستمر معبر رفح، والذي حوّل القطاع إلى سجنٍ كبير.

لذلك، سيبقي الاتفاق التركي الإسرائيلي على الحصار الإسرائيلي للقطاع، واستخدامه ورقة ضغط إسرائيلية قوية على الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة، في مواجهة إسرائيل حركة المقاومة الإسلامية حماس، وتهدف إسرائيل منه، جرّاء ذلك، إيصال الإنسان الفلسطيني في القطاع إلى حالةٍ من الإحباط واليأس، بسبب تأثيرات الحصار الإسرائيلي المدمرة على مختلف مجالات الحياة في غزة، بعد أن حوّلتها إلى جحيمٍ لا يطاق.

على الصعيدين، الإقليمي والدولي، يعتبر الاتفاق بمثابة ورقة إسرائيليةٍ قويةٍ لمواجهة حملة المقاطعة الآخذة بالاتساع والزيادة في المجالات الاقتصادية والأكاديمية ضد إسرائيل، خصوصاً وأنه سيعمّق التبادل التجاري والاقتصادي بين إسرائيل وتركيا، والذي وصل حجمه حتى في سنوات القطيعة بينهما إلى أكثر من ستة مليارات دولار، وخصوصاً في مجالات الطاقة والغاز والسياحة وتجارة الذهب.

وستصبح إسرائيل لاعباً دولياً مهماً من خلال مد أنابيب الغاز من الشواطئ الإسرائيلية عبر الأراضي التركية، وصولاً إلى دول أوروبا، ما سينعكس، ليس فقط على الاقتصاد الإسرائيلي، بل على مكانتها العالمية ومدى قدرتها في توظيف ذلك للتأثير على سياسات تلك الدول وقراراتها اتجاه إسرائيل وقضايا المنطقة عموماً. حيث تحدّث نتنياهو أمام وزراء حكومته، في افتتاحية الجلسة التي تم تخصيصها لمناقشة الاتفاق مع تركيا والمصادقة عليه، عندما قال إن هذا الاتفاق سيحقّق لإسرائيل إنجازاتٍ استراتيجيةً في شتى المجالات، وخصوصاً في تحويل إسرائيل إلى لاعب دولي قوي، وربط المصلحة الأوروبية بالغاز الإسرائيلي والخبرات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية. وسيساعد إسرائيل للدخول في حلف الناتو. وتحدث نتنياهو أمام أعضاء حكومته أن إسرائيل، بهذا الاتفاق، ستكون أيضاً اللاعب الأقوى في موازين القوى العربية والإسلامية الداخلية، وستصبح حاجةً لكثير من دول المنطقة، في مواجهة خصومها، في ظل حالةٍ مشتعلةٍ، تعيشها منطقة الشرق الأوسط.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات