البلدة الصغيرة المعزولة فقدت خمسة من أبنائها في التفجيرات الانتحارية غير المسبوقة لجهة الأسلوب، وهذا أمر يبث الرعب حتماً، لكن اختار كثر من أهل السياسة والإعلام أن يساهموا في إنزال البلد بأسره وليس بلدة "القاع" وحدها نحو المزيد من الحضيض، فبعد التفجيرات الانتحارية استفاق العصبويون من غيبوبتهم التي سبق أن مارسوها حيال انتهاكات عديدة سابقة طالت اللاجئين السوريين في لبنان سواء لجهة الحد من استقبالهم والتضييق في الإقامات وتأشيرات الدخول وأذونات العمل وفي التنقل وتحميلهم مسؤوليات تردي الوضع الاقتصادي، باختصار ألصقت بهم كل الشرور وحين وقعت التفجيرات استفاق من سبق أن تصرفوا كالنيام ففغروا أفواههم وعيونهم بعد تفجيرات "القاع" وبدأت الاسئلة: منهم هؤلاء الانتحاريون!!
قبل التحقيقات صدرت الاتهامات وجرى كيلها بمكيال جمعي عصبي وتقرر فوراً إنهم "السوريون"، إنهم المليون ونصف المليون لاجئ في لبنان، وهنا بدأت تروج حملات حمقاء وتعليقات من نوع "يجب طرد السوريين من لبنان" ومعها ترافقت حملة سخرية من المواقف والتعليقات المنتقدة للتعرض للاجئين وشاعت ردود افعال من نوع "بلاها الإنسانية تبعكن" رداً على من يرفض التعرض للاجئين كما حصل بعد التفجيرات.
يستفيد حاملو شعارات الكراهية والعصبية من تقية سبق أن مارسناها جميعا بحق اللاجئين، فنحن كنا نغض الطرف عن تلك الشكوك المضمرة التي لا نجرؤ على إشهارها حين يقع حادث أمني إرهابي فنخجل من إشهار السؤال باحتمال أن يكون من بين اللاجئين من فعل ذلك فنسكت، يحصل أن مخيمات تقتحم وتحرق ويعتقل العشرات ويتم التنكيل ببعضهم كما شاهدنا في صور وفيديوهات.
اللاجئون ضحايا ويمكن أن يكون من بينهم مرتكبين، تلك المعادلة جعلتنا نصمت ونغض الطرف عن اقترافات كثيرة بحقهم، وهنا يأتي دور الإعلام والسياسة الذين لا يتوقفا عن الانحدار بحيث باتت هوية الانتحاريين هاجس لاعتبار تلك الهويات ليست لأفراد بل لجماعات بأسرها..
إنها وليمة قائمة على الخوف والجبن والبلادة وهي مكونات لا تستقوي إلا على اللاجئين برعاية زعماء ومسؤولين فيصبح أي عمل عنفي ضد تجمعات سورية وكما حصل بعد تفجيرات القاع يمر برداً وسلاماً على الموتورين والمستثارين عصبياً ومذهبياً وطبقياً أيضاً.
لن استعيد التعليقات المريضة التي انتشرت عبر وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي بحيث بات وزير الخارجية العوني جبران باسيل الشهير بقاموسه العنصري ضد السوريين نموذجاً فبات لدينا في لبنان باسيليون كثر. وهم في هبتهم هذه يهذون بوطنية حمقاء مريضة، وليس أدل عن هذا الحمق سوى تلك البنادق التي رفعت من قبل بعض الأحزاب بصفتها ستذود عن القرى الخائفة.
كلما أوغلنا في المأساة السورية كلما اكتشفنا فداحة لا جدوى قتال حزب الله فيها، هناك من لا يزال ينقاد الى عبثية شعار أن ضخ المزيد من المقاتلين اللبنانيين في سورية سيحمي لبنان من انفجارات كتلك التي حصلت في بلدة "القاع" لكن في الحقيقة هذا ليس إلا وهماً سيتحول الى كابوس أشد قتامة إذا استمرت الدعوات للتضييق على اللاجئين.
ما يحصل هو ثمرة فشل سياسي كبير في كيفية التعامل مع أزمة اللجوء السوري الذي أتى متوجاً شللاً سياسياً في البلد على أكثر من مستوى ليس أقله العجز عن انتخاب رئيس جمهورية، لا شك أن التدخل العسكري لحزب الله في سورية مسؤول بشكل مباشر عن تفاقم أزمة اللاجئين من جهة وعن خلق احتكاكات وحساسيات طائفية خطرة من جهة أخرى، والحكومة اللبنانية المقيدة والعاجزة عن مقاربة ملف اللاجئين كما يجب، يجعل الوضع الأمني هشا إلى أبعد الحدود كما يجعل الاستثمار في بؤس اللاجئين واعتبارهم مصدر كل شر حاضراً بقوة.
التعليقات (3)