اليأس ليس وجهة نظر

اليأس ليس وجهة نظر
صحيح أن الثورة السورية ليست بأحسن حالاتها، وصحيح أنها تتعرض لمجموعة تعقيدات دولية وداخلية تعرقل حسمها للوضع السوري وتضع الصخور أمام مسيرتها، وصحيح أيضاً أن الأثمان التي يدفعها الشعب السوري وصلت إلى حد مرعب، لكن الثوار أيضاً لايزالون يسطرون يومياً صموداً نادراً يحققون من خلاله مواقف يحتاجها الحل السلمي، ولا أحد من المحللين الموضوعيين يرى انهياراً للثوار أو بقاء قوة النظام الأسدي وعافيته كما كان في المراحل الأولى للثورة، بالرغم من الدعم المحدود لأسلحة مقاتلي الثورة من قبل حلفائها والدعم غير المحدود للأسد من حلفائه، بل لانبالغ عندما نقول إن حلفاءه يقاتلون عنه ويشكلون الكتلة العسكرية الأكبر براً، أما الأجواء فهي لهم بلا منازع.

فإذا كان الحال كذلك فما مبرر اليأس والقنوط الذي يصيب بعض  الأصوات التي تسكن خارج سورية بخاصة- وذلك ما يلفت النظر- بينما لايُسمع منها في الداخل إلا القليل الهامس...

والمشكلة اليوم هي في مخرجات اليأس الذي يوصل بعضهم إلى خيانة ذاته وكأنه يحكم على نفسه بالانتحار، صحيح وواقعي ما كان يُقال بأن نظام الأسد الأب والابن أشد قسوة من اسرائيل،على سبيل التعبير عن عدائية الأسدين للشعب، ووحشية استبدادهما، وكانهم يشبهون الرمضاء بنار جهنم،  لكن ليس معنى ذلك أن يُستدعى من كان سبب معظم بلاوي الوطن لنستسلم له ونقدم البلاد والعباد ونضع مقاليد أمورنا بيده...إذ لايمكن لشعب أن يخون نفسه، ويذهب إلى الانتحار برجليه.والشعب السوري أكثر وعياً وبعداً حضارياً من أن يفعل ما يحاول اليائسون جره إليه.ولو اقتصر الأمر على قفزة السيد اللبواني أو بعض الاتصالات التي يحسبها أصحابها سرية وهامسة، يُفشيها العدو قيل الصديق، لما ارتقت الحالة إلى مستوى الاهتمام بها.

 لكن أن يتحول إلى بدايات تنظير وطرح مشاريع فذلك هو الحمق والغباء الذي يسوق من يطرحه الناس إلى الموت الزؤام.فهل ثار السوريون إلا من أجل الكرامة والحرية؟!وما ينفع السوريين استبدال طاغية بطغاة أشدوطأة يختلفون في لبوسهم ويصبغون أنفسهم بما أنتجته الصناعة القديمة والجديدة من ألوان، والمسخرة المؤلمة أن أصحاب هذا الرأي يتصورون الذئب حمامة جميلة لطيفة، وكأنهم لايتابعون شيئا من الوقائع، لا أقول التاريخ، فما حدث ويحدث في القريب من الأيام كفيل بإفهامهم ما عميت عيونهم عنه...

يقول هؤلاء: إذا كانت اسرائيل من يمنع سقوط النظام وإذا كانت هي من يتحكم بالمواقف الأمريكية والروسية فلماذا لانذهب إليها ونتفاوض معها مباشرة لننهي المسألة السورية وبالطبع يغدقون أحاسيسهم الرقيقة على ما أصاب السوريين من كوارث وما سال من دماء...ظناً منهم أن اسرائيل تفعل ما تفعل من أجل صلح أو سلام مع سورية والسوريين...وهكذا يعرضون التنازلات " بالكمشات" دون أي مبرر وكأنهم يرفعون العلم الأبيض دون أن يطلب أحد منهم رفعه، ولا أظن أن اسرائيل نفسها تحلم بمثل هذه العروض...

هل قرأ أحدهم ما قدمته اتفاقية أوسلو التي وقف معظم الفلسطينيين ضدها ناهيك عن العرب الذين ركبوا أحصنة المزاودات وهرولوا فيها؟ هل عرف أحد من هؤلاء اليائسين ما قدمه عباس من تنازلات؟ حتى اتفاقية كامب ديفيد المشهورة هل احترمتها اسرائيل ونفذت جميع بنودها؟

ما ذا كانت النتيجة؟ قتلت عرفات ومرمطت عباس وقضمت الضفة الغربية وخنقت غزة وتملصت من أي حق أقرته في كامب ديفيد واوسلو وهي الآن تورط الجيش المصري" وهو الجيش الوحيد العربي الباقي المحيط بها" تورطه بقتال "الارهاب" !!!!!

بل كأنهم لم يروا ما حل بالعراق ...وكيف هددته بإعادته إلى العصور الحجرية.. ولولا الخبث الإيراني الذي نسق معها مباشرة أو غير مباشرة لما اندفع الأحمق بوش الابن لتدميره، ثم الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية.....

أما آن لمفكري اليأس العظام أن يدركوا أن اسرائيل تتاجر بالسلام ولاتريده وما زال على باب برلمانها منقوش "مجدك يا اسرائيل من النيل حتى الفرات" وأن على علمها خطين يمثلان النهرين، وأن اليمين الفاشي المتعصب هو من يحكم اسرائيل، وأنها لاتريد من سورية ولا لها إلا ما يحدث من دمار، وأن مفكريها الكبار هم أصحاب مقولة "دع الأشرار يقتلون بعضهم" .....أما آن لعباقرة اليأس أن يفهموا أن اسرائيل تريد حالة في سورية شبيهة بالحالة العراقية؟

ثم كيف يريدون أن تحل اسرائيل المشكلة؟ هل يطلبون منها تدخلاً عسكرياً وهي تسرح وتمرح في الأجواء السورية تضرب كل ما يمكن أن يشكل أدنى خطر عليها ولو بعد مئة سنة؟ وهل يريدون من الثوار أن يبدلوا شعارات الحرية والكرامة والمواطنة بشعارات " العمل، الأسرة، " كما فعلت حكومة فيشي مع الألمان الذين احتلوا باريس في الحرب العالمية الثانية، وثوار سورية لايزالون يقاومون بدمائهم الاحتلالات المتنوعة ويحققون انتصارات ليست بسيطة؟

لن أحاور هؤلاء بعوامل الرفض الشعبي لمشاريعهم تلك إنما ألفت نظرهم إلى العوامل الفاعلة في المسألة السورية، إنها مصالح الكبار، واسرائيل ليست إلا قوة اقليمية ذات نفوذ لكنها لايمكن أن تتجاوز مصالح الكبار وهم لايعطونها ما يضر بمصالحهم فخير لليائسين أن يتحدثوا عن حوار مع الكبار بعد أن ينشطوا لتكوين قوة سياسية موحدة تستطيع اللعب مع الحبال الدولية وتُتقن التحالفات التكتيكية والاستراتيجية، وقوة عسكرية تدعمها وتعطيها الوزن المطلوب بالحوارات والمفاوضات، تُجبر المحاورين على احترامها، من أن يشتط بهم الخيال فيروا الذئب حمامة يتغزلون بها...

منتجات اليأس ليست وجهة نظر، إنها عداء للذات وخيانة لسورية والسوريين ولدماء الشهداء ولأهداف ثورتهم العظيمة، لقد أطلقتُ على أصحاب هذا الرأي صفة " اليائسين" وأشفقت أن أقول"الخونة" لأنني على يقين بأن دافعهم اليأس ووحشية نظام الأسد،وانسداد الآفاق، ولأن اتهام أي مواطن سوري بالخيانة لايسمح بأي حوار،لكنَ ما يطرحونه ليس حلاَ إنما هو الانتحار ولاشيء سواه،

" قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله "إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" صدق الله العظيم.

  

   

التعليقات (1)

    هلا مراد

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    الأستاذة الراقية الفكر حذام عدي شكرا على هذا الوخز السوري الذي أتمنى أن يكون مجديا كما الوخز الصيني ، فجسدنا السوري بات يحتاج لصعقات فكرية تقفز به من سبات الجهل بقيمة البلد والشعب ووتحثه على القيامة من اليأس ، الجهل واليأس معا يجتاحان السوريين ، فما هم فاعلون ؟ شكرا مقال هام وملفت ويستحق المشاركة .. سأفعل على صفحتي
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات