بلاد ممنوع أن تحيا بها الملائكة

 بلاد ممنوع أن تحيا بها الملائكة
لأن الحق والجمال يؤلمانهم، لأن الإنسانية تمزقهم، فإن أولئك الذين يحملون الحق والجمال ويصرون على التمسك بحياة إنسانية كما يريدها الله رغم كمِّ الحقد والشر والكراهية والقبح المسلط على رقابهم وحياتهم، أولئك الذين يتمسكون بالعدل والإنسانية والجمال هم أهداف محور الشر المفضلة الأولى!

منذ أول أيام الثورة و الكوادر الطبية والمشافي الميدانية أحد أهداف النظام المفضلة للقصف والقتل والاعتقال لأن وجود الطبيب والمشفى يعني إمكانية الحياة التي فيها بقايا عدالة ورعاية، ولأنهم يريدون إفناءنا عن الوجود، يستهدف نظام الأسد و مخابراته وروسيا وإيران المشافي والكوادر الطبية بأشد أشكال التعذيب والتدمير منذ بدايات الثورة ويلاحقونهم حتى الحدود!

( حكم دراق السباعي) المسعف من حمص كان من أوائل شهداء الكوادر الطبية، (محمد نور مكتبي)،( محمد بشير عرب)، (باسل أصلان)،(حازم بطيخ) ،(مصعب برد):

طبيبان وثلاثة طلاب في كلية الطب بجامعة حلب اعتقلوا على خلفية قيامهم بأعمال إسعاف جرحى ومصابين، تم تعذيبهم بوحشية حتى الموت وشوهت جثثهم وحرقت لطمس معالم التعذيب ثم عمدت الأجهزة الأمنية إلى رمي الجثث.

وقصص الأطباء والمسعفين وأسماؤهم  ومعاناتهم الشخصية ومعاناة أسرهم أكثر من أن تحصى، وأعظم من أن تنوء بحملها الجبال ، طيلة مايزيد عن خمسة سنوات من عمر الثورة حتى استهداف آخر أخصائي للأطفال لا زال متواجداً في القسم المحرر من مدينة حلب :(محمد وسيم معاذ) الذي استشهد قبل توجهه إلى عائلته مع خمسة من زملائه،إضافة إلى أكثر من خمسين مدنياً معظمهم أطفال، جراء غارة جوية استهدفت مشفى القدس التابع لمنظمة أطباء بلا حدود . كان الدكتور محمد وسيم معاذ يتجهز لزيارة عائلته في تركيا، إلا أن القصف المكثف الذي تشهده مدينة حلب، جعله يؤجل فكرة الخروج من المدينة! وبعد استشهاده بقي أخوه الطبيب يمارس عمله الإنساني دون أن يتزحزح عن واجبه شعرة واحدة لشعوره بجسامة المسؤولية.

سجلت الإحصاءات  حصيلة ضحايا الكوادر الطبية على يد الأطراف الرئيسة الفاعلة في سوريا منذ آذار 2011 حتى آذار من العام الحالي 609 من الكوادر، فقد قتلت قوات النظام السوري 553 من الأطباء والعاملين في المجال الإسعافي، بينما قتلت قوات الاحتلال الروسي أحد عشر منهم، والإدارة الكردية قضت على ثلاثة، بينما قضى تنظيم الدولة على تسعة عشر من الطواقم والعاملين في المجال الطبي.

المشافي كما الأسواق كما المدارس، كل ما يوحي أو يسمح بالحياة لابد من مسحه عن وجه الأرض و البداية من الناشطين السلميين والمتظاهرين: من منا ينسى غياث مطر؟ 

 وكما الأطباء، الإعلاميون الذين ينقلون مجازر النظام وداعش وروسيا ومرتزقة إيران وحزب الشيطان وفظائع إجرامهم بحق البشر   كانوا ومازالوا الهدف المفضل للقتل سواء داخل أو خارج سورية ، لأنهم ينقلون للعالم صورة وصوت الناس ومعاناتهم ، صوت الحقيقة الذي يجب على النظام وأعوانه إخراسه حتى تمحى آثار جرائمهم وينفذوا من العقوبة.

يذكر من أهم شهداء الحقيقة: (رامي السيد)، و(مظهر طيارة)، فكاميراتهم وأجهزة اتصالهم وأصواتهم ومايكروفوناتهم أخطر في نظر النظام من أخطر الأسلحة ، وصوت كلمة الحق كان ومازال يؤلمهم بشدة !  لذلك تواصل حتى الساعة استهداف الإعلاميين:

 الناشط الإعلامي همام النجار المعروف بـ (أبو يزن الحلبي)  الذي استشهد متأثراً بالإصابة التي تعرض لها جراء تفجير انتحاري نفذه تنظيم الدولة في مدينة (مارع).

 تلاه زميله الإعلامي ومقدم البرامج في قناة حلب اليوم ( زاهر الشرقاط ) شهيداً برصاصة في الرأس بكاتم صوت في عنتاب ، وقبله (ناجي الجرف) الذي تحدى تنظيم الدولة بفيلم يفضح جرائمه، والثلاثة ضحايا تنظيم الدولة الذي يحرص على استهداف الإعلاميين الأحرار الذين يفضحون جرائمه وجرائم النظام.

آخر الشهداء الإعلاميين: الشهيد(خالدالعيسى) الناشط والصحفي ابن مدينة كفرنبل الثائرة ،  متأثراً بجراحه في محاولة الاغتيال التي تعرض لها مع الإعلامي  (هادي العبدالله).

هادي العبد الله الذي تعلقت به قلوب السوريين من شمال سورية حتى جنوبها هو ومصوره الشهيد خالد العيسى ينقلون معاناة الناس تحت قصف النظام وروسيا، يبكون معهم، يضحكون معهم ، يحزنون معهم ويُقصفون معهم ، و ينالون نصيبهم من المفخخات لأنهم كانوا نبض الناس ، دون أن تتمكن قوى الثورة من وضع حد لِيَد الغدر التي تضرب في عمق مناطق سيطرتها على الأرض .

يذكر أن ضحايا الكوادر الإعلامية في سوريا منذ آذار 2011 حتى آذار 2016  : 479 من الكوادر الإعلامية والنشطاء والصحفيين، في حين قتلت قوات الاحتلال الروسي خمسة من الإعلاميين، أما الإدارة الذاتية الكردية فقضت على اثنين من الإعلاميين، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

أما تنظيم الدولة فقد قتل ستة وعشرين من الكوادر الإعلامية، بينما قضت جبهة النصرة على أربعة من النشطاء الإعلاميين، بينما وثق المصدر مصرع ثمانية إعلاميين تابعين للنظام السوري خلال الأعوام الخمسة السابقة.

كما وثقت الشبكة اختطاف أو اعتقال     1027إعلاميين  آخرين ، ما يعني أن سوريا أصبحت في قاع الهاوية في العمل الإعلامي على مستوى العالم وسط إفلات تام  للجناة من أي نوع من العقاب.

ومثل الأطباء والإعلاميين ، القادة الشرفاء للثورة السورية ، الذين أخلصوا للثورة وللناس ولم يتجرأوا على دماء الناس وأموالهم ، وعرفوا أن هؤلاء السوريين شعب واحد و أن كل قتيل يذهب هو خسارة للوطن ، وأن كل دبابة تدمر هي دبابتنا ، كانوا الهدف مفضلا ًجداً لعمليات الاغتيال ، فهؤلاء يحملون في خطواتهم فرصة لأنسنة الصراع وهو أمر غير مقبول بالنسبة للأسد وداعش ومن خلْفهم من حلفاء الشر والدمار : (عبدالقادر الصالح)، ( أبو فرات يوسف الجادر) و (عمر سندة) . أولئك الذين يجمعون ولا يفرقون ويوحدون ولا يمزقون ،هم أيضاً يجب قتلهم فوراً ، لأنه في هذا الجحيم المستعر لا يسمح سوى للشياطين بالتواجد ،أما كل من يحمل فكر الاعتدال والوسطية ومازال يحمل صفات الإنسان فلابد من إنهاءه فورا لتكتمل فصول المجزرة الجهنمية.

لذلك لم نسمع يوماً عن محاولة استهداف اجتماع للإئتلاف أو للحكومة المؤقتة ، ولا أي حزب أو هيكل من هياكل المعارضة البالية ، أو محاولة اغتيال قائد من قادتها إن صحت تسميتهم بالقادة!

 يقول ألبير كامو،وهو روائي فرنسي جزائري: "رجل بلا أخلاق هو وحش تم إطلاقه على هذا العالم".

 وفي هذه الثورة التي تحولت إلى حرب عالمية يسمح بالحياة  فقط للوحوش والمنافقين والمتسلقين بلا أخلاق ، أولئك  الذين يستخدمون السياسة والسلاح والمال والدين والسلطة  والإعلام والشعارات لتحقيق مآربهم الدنيئة !

أما أولئك المخلصون الصادقون الذين يضحون في سبيل الحق والعدل والإنسانية من أطباء ومعلمين وقادة وإعلاميين  ، فلا يسمح لهم الوحوش بالبقاء على قيد الحياة! 

يبقى أن نقول أن الحياة التي تليق بكل أولئك الصادقين  ليست هنا على هذا الكوكب بل في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، فأولئك الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه  وما بدلوا تبديلا.

أما على هذه الأرض فستبقى خطواتهم شموعا ً تضيء لنا طريقنا في وسط تلك الظلمة الحالكة. وغداً في سورية الحرة الجديدة التي مهدوا طريقها بدمائهم ستخلد أسماؤهم في الكتب والساحات والميادين العامة والشوارع والمكتبات ، ساحة خالد العيسى ، مكتبة بشير عرب ، شارع همام النجار ، جامعة زاهر الشرقاط  وربما مدرسة عبد القادر الصالح ومشفى حكم دراق السباعي!

 سنمضي جميعا!

يمضي كل الشياطين إلى سَقَر، وتبقى أرواح الملائكة البشر  تظللنا وتنير لنا درب الحرية والكرامة والإنسانية والعدل ، لأنهم أثبتوا لنا أن قيمهم تصلح للحياة ، بل تتحول للحياة الأبدية عندما تفتك بها يد الغدر ، لتنال الشهادة علينا جميعاً، ومن علٍ سينظرون إلى ما فعلناه بأمانة الدرب بعدهم ، فلا تضيعوا الأمانة!

التعليقات (2)

    محمد سعيد الملاح

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    مقالة شاملة تظهر فداحة خسائرنا في اﻷبطال الذين استمروا في الخدمة العامة وسط المخاطر. كما تؤكد المقالة على نوعية الناس المستهدفين بالقتل واﻹبادة، مما يثقل القلب بالهم ويظهر طبيعة العدو الذي نواجهه. تولى الله ملائكتنا برحمته وعوضنا وأهلهم خيرا.

    احمد الملاح

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    مقالة ممتازة, اذكى وحدة بالعيلة
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات