رجل يستخف بأصحاب الثورة

رجل يستخف بأصحاب الثورة
في الثامن عشر من آذار/ مارس الماضي، أي قبل ثلاثة أشهر بالتمام، قدّم ستيفان دي مستورا، المبعوث الأممي الخاص بسورية، والمسؤول عن المفاوضات في جنيف، قائمة تضمّ 29 سؤالاً لوفدي المعارضة السورية والنظام، تتعلق بتعريفات المرحلة الانتقالية وشكلها وآلياتها، وتعريف هيئة الحكم الانتقالية وكيف يمكن أن تتشكّل ومِمّن، وما هي مهامها ومؤسساتها، وكيف يمكن ضمان تمثيل المرأة والأقليات في هذه المرحلة وما بعدها، وغيرها الكثير من التفاصيل.

لم يحدد دي مستورا غايته من طرح هذه الأسئلة أو كيف سيستخدمها، ولا كيف سيقوم بالتنسيق بين الأجوبة، وما لبث أن عمّم هذه الأسئلة على أطراف أخرى، كلجانه الاستشارية ولجانه النسوية وجماعات المجتمع المدني وحقوقيين، فضلاً عن جهات معارضة أخرى لا علاقة لها بالطرفين المتفاوضين الرسميين كجماعة الفيدرالية الكردية ومنصة موسكو وغيرها، ومع هذا فقد عملت المعارضة السورية طوال ثلاثة أشهر على استشارة طيف واسع من الهيئات الثورية أو المراكز البحثية للخروج بأفضل الإجابات التي تناسب مطالب الشعب السوري وثورته، أما النظام فلا أحد يعرف إن كان قد أنجز واجبه وأجاب عليها أم أنه ـ كعادته ـ ماطل فيها تمهيداً لإهمالها، وبكل الأحوال، ليست الأجوبة هي التي تعنينا بل الأسئلة بذاتها، من ناحية المبدأ والشكل والمعنى.

من حيث المبدأ، قال المبعوث الأممي إن الهدف من الأسئلة هو "فهم وجهة نظر الأطراف الأساسية للحكم الانتقالي"، وهذا القول عملياً فيه استخفاف مُطلق بكل السوريين، لأن الرجل التقى في النصف الثاني من عام 2014 بمئات السوريين المؤيدين والمعارضين، من كافة الاتجاهات والتيارات والإيديولوجيات، من بينهم سياسيين وناشطين في منظمات مدنية ورجال قانون ودين وحقوق إنسان وممثلين لقوى عسكرية وغيرهم، ثم بعدها في مؤتمر جنيف الثالث جمع عدة مئات من المعارضين والناشطين والحقوقيين والعسكريين والتجار والنساء والطلاب والمعارضين المُقنّعين لتُصبح تصوراته متكاملة، وراكم وثائقه فوق وثائق من سبقوه، فصار لديه الآن أكثر من خمسين طنّاً من الوثائق والمحاضر والدراسات والخطط والاقتراحات التي توضح موقف ورأي كل هؤلاء بالتفصيل، سواء أكان منطقياً أم خُلّبياً، قابلاً للتنفيذ أم خيالياً، وأكّد ـ بعظمة لسانه ـ أنه بات يمتلك صورة بانورامية واضحة وكاملة حول رأي الجميع وكيفية الوصول إلى حل نهائي للأزمة السورية، ومع هذا يعود الآن لنقطة الصفر ليطلب أجوبة عن أسئلة، لديه في وثائقه كل إجاباتها.

من ناحية الشكل، أتت الأسئلة متعارضة في كثير منها مع إعلان جنيف وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالقضية السورية، وتنسف أُسس العملية التفاوضية برمتها، وتنطلق من فرضيات غير واردة في أي اتفاق أو قرار دولي متوافق عليه، كما أنها تُصادر حق السوريين من خلال استباق نتائج المفاوضات المحتملة بتقديمها منطلقات لا يعرف السوريون من وضعها. ثم أن الكثير من الأسئلة غير بريئة وتصب صراحة أو بشكل غير مباشر في خانة تقاسم السلطة استناداً إلى معايير طائفية أو عرقية، وقسّمت المجتمع لأقليات وأكثريات وقوميات وطوائف ومذاهب وأقاليم ونساء ورجال، وطيُفت سورية قبل أن يُصدِر السوريون حُكمهم بهذا الأمر.

أكّدت الأسئلة كذلك على أن الرجل يعتبر نفسه وصيّاً على سورية حاضراً ومستقبلاً، وليس وسيطاً للسلام فقط، فقد طلب أجوبة لأسئلة لا يصح أن تُجيب عنها أية هيئة حاكمة انتقالية بل يجيب عنها كل الشعب السوري في مراحل لاحقة بعد الانتهاء من كابوسه الحربي ونظامه الأمني الشمولي، وهي أسئلة تقع خارج سياق الحل السياسي، ولها علاقة بالشق الإداري للدولة أو لها طابع وطني عمومي لا يحق لأي هيئة انتقالية البت بها مسبقاً وتتطلب استفتاءً شعبياً هو من حق كل السوريين، كذلك تضمنت الكثير من التكرار والتشابه والتداخل والتناقض، مما يؤكد أنه وضعها على عجل أو أنه استلمها من جهات متعددة ولم يُكلّف نفسه عناء إعادة صياغتها وحذف المُكرر منها.

أما من ناحية المعنى، فإن هذه الأسئلة ـ وفق المعطيات السابقة ـ لا تعني شيئاً سوى محاولة من الرجل أن يُلهي المعارضة السورية بدوامة الأسئلة والأجوبة، ويُنسيها حقوق أصحاب الثورة التي أشارت لها القرارات الدولية السابقة، وأن يُقحم مبادئ أخرى غير التي دخل السوريين المفاوضات مستندين إليها، وتوحي بأن الرجل يسعى للانتقال من فكرة المفاوضات الحقيقية إلى مجرد مشاورات ومناقشات سفسطائية تُنكر الحسّيات والبديهيات وتُعنى بالجدل والتلاعب بالألفاظ.

مر على استلام الرجل منصبه كوسيط في سورية سنتان كاملتان، ارتكب خلالهما من السلبيات والأخطاء ما لم يرتكبها وسيط سلام في أي أزمة دولية سابقة، ورغم أنه مُنفّذ لأوامر الدول الكبرى فقط، إلا أنه نفّذ المطلوب بأسوأ طريقة ممكنة، وأدخل المعارضة بمتاهات وماطلها وخدعها ولم يُصارحها وخلط الصالح بالطالح ثم استخف بها وألهاها أخيراً بأسئلة سيُلقي أجوبتها بسلّة المهملات، ومن هذا المفهوم قد يكون من الأجدر بالمعارضة السورية أن تُضيف شرط إزاحته عن الملف إلى شروط عودتها للمفاوضات، فكما أن أي نظام يحكم سورية بعد النظام الحالي سيكون أفضل بغض النظر عن طبيعته، كذلك الأمر، فإن أي شخصية ستستلم الملف بدلاً من هذا الرجل ستكون أكثر منطقاً وعقلانية.

التعليقات (3)

    free lebanese

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    ستيفان دي مستورا ايطالي بكل معنى الكلمة يرى بما يفعله وظيفة تأتي له بمئات الالاف من الدولارات سنوياً و لهذا لا يرى ضرراً بان يستمر و يبقى لسنين عديدة. الم الشعب السوري و مذابح النظام لا تهمه بشيء؛ انظروا الى وجهه يتحرك كروبتر معجب بنفسه يخلو من كل انسانية و لو كان انسان لاستقال منذ اكثر من عام

    free lebanese

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    ستيفان دي مستورا ايطالي بكل معنى الكلمة يرى بما يفعله وظيفة تأتي له بمئات الالاف من الدولارات سنوياً و لهذا لا يرى ضرراً بان يستمر و يبقى لسنين عديدة. الم الشعب السوري و مذابح النظام لا تهمه بشيء؛ انظروا الى وجهه يتحرك كروبتر معجب بنفسه يخلو من كل انسانية و لو كان انسان لاستقال منذ اكثر من عام

    طارق السيد أحمد

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    صح مضطر أن أكتب 10 أحرف على الأقل آسف
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات