الجوع والحرمان على موائد رمضان السورية

الجوع والحرمان على موائد رمضان السورية
السوريون يتجولون في الأسواق كمن يتلصص على البضائع، يرمقونها بحسرة وألم  مابين حاجتهم إليها وقدرة جيوبهم شبه الخاوية، وينصرفون عنها إلى بديل أقل جودة أو سعرا، ويشترون بكميات اقل كثيرا من المعتاد رغم حاجتهم الماسة وعيونهم الجائعة، وفي المتاجر،يمدون أيديهم إلى السلعة المرغوبة وسرعان ما يرجعونها خاوية، أو يأخذونها وهم يحسبون كم تبقى معهم.

رمضان في المناطق الآمنة

هذا حال معظم السوريين، ومنهم "نذير" الذي يقول: "هذا أقسي رمضان عشته منذ خمسين عاماً، أنظر إلى مائدة الإفطار وانأ غاضب، بالكاد نأكل ما تيسر، بلا لحم ولا فاكهة، ولا عصائر ولا موالح،ولا حلويات."

و نذير مدرس لغة عربية مازال يمارس التدريس في إحدى مدارس العاصمة دمشق، ويتقاسم الأعباء مع زوجته الموظفة أيضا في القطاع العام لإعالة أسرته المكونة منهما بالإضافة إلى ابنتين إحداهما تدرس في الجامعة.

ما قاله نذير هو حال عموم الأسر السورية التي تعدى 90% منها  خط الفقر  المحدد بدولارين للفرد يوميا، فيما يحصل رب الأسرة على هذا الرقم لكامل أفراد أسرته ، وبذلك ينتقل  السوري من الفقر إلى الفقر المدقع، وهي العتبة التي يعجز فيها الفرد عن تأمين غذائه ومستلزماته دون معونة خارجية: إما من أقارب عبر التحويلات التي باتت مصدرا أساسيا لحياة الكثيرين، أو عبر مساعدات منظمات دولية رغم شحها، أو إعانات من جمعيات خيرية في حال وجودها وقدرتها.

في هذا المناخ المرعب نتساءل عن مكونات مائدة إفطار السوريين في رمضان، وكانوا قد ألفوا سابقا، واعتادوا في هذا الشهر إقامة الموائد العامرة، والشبيهة بالولائم كطقس احتفالي، وتعويض عن جوع النهار الطويل، بمعنى آخر بغض النظر عن سويتهم الاقتصادية كانت موائدهم في هذا الشهر أكثر غنى من باقي أيام السنة، وحتى تلك الشرائح التي لم تكن تمارس طقس الصيام كانت تجاري تلك العادة، في البذخ النسبي غذائيا طيلة هذا الشهر.

ويشرح  الخبير الاقتصادي الدكتور عمار يوسف في تقرير له  شكل التغيرات الاستهلاكية  وفق  تغيرات الحالة الاقتصادية خلال السنوات الست الماضية ليقول ما مفاده: انتقال المواطن السوري من (البحبوحة!) إلى الكفاية، ومن الكفاية إلى الحاجة الشديدة التي يستحيل بقاؤه فيها دون معونات". واصفا ما حدث بـ "تحول المجتمع الاقتصادي السوري الى مجتمع فاشل".

وبعيداً عن مناقشة فكرة البحبوحة التي لم يعرفها السوريون أصلاً، لكن يمكن القفز فوقها باعتبار الأحوال الكارثية الحالية، واعتبار الفقر السابق نوعا من البحبوبة!.

رمضان في المناطق المحاصرة

أما رمضان في المناطق المحاصرة فله قصة أخرى طويلة مع الجوع والحرمان الكلي في جو من الحصار والرعب تحت طائلة الموت جوعا، أو من البراميل المتفجرة التي يواصل النظام إلقاءها وترتفع، وفق تصريح جديد لديمستورا، مستويات القصف على المناطق التي يوافق النظام على إدخال المساعدات إليها، حيث سقط في داريا وحدها في الأيام الفائتة مئات البراميل، علما أن الموافقة على إدخال المساعدات لا تعني إدخالها فعليا، وذلك بحسب ديمستورا أيضا، فالنظام يوافق شكليا، ولكنه على أرض الواقع يعيق العملية برمتها.

وفي تقرير لمحمد الحمصي عن حي الوعر المحاصر نشرته كلنا شركاء يقول "ضياء" احد السكان: "لا فرق بين رمضان وسواه فنحن بالأصل لا نأكل سوى وجبة يتيمة في المساء، الفرق الوحيد هو لدينا أن علينا الصبر في هذا الحر الشديد على شرب الماء."

وكانت بريطانيا قد دعت قبل شهر رمضان إلى إغاثة السوريين المحاصرين والذين يقدر عددهم وفق بعض الإحصاءات بمليون محاصر ،كما طالبت في حملتها وفق مندوبها غاريث بايلي إلى اعتماد إلقاء المساعدات جوا، وهو الأمر الذي التف عليه مجلس الأمن.

من جهتها المعارضة السورية  وعلى لسان رياض حجاب  عبر رسالة  وجهه إلى الأمين العام للأمم المتحدة دعا إلى فيها إلى هدنة شاملة طيلة شهر رمضان وأبصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة، غير أن أصوات قصف النظام على المناطق السورية كان أعلى من صوت المعارضة، ومن قلق بان كيمون، ومن اجتماعات مجلس الأمن.

قصة  المحاصرين في سوريا قصة عجزت الأمم المتحدة عن حلها في جو من التواطؤ والتراخي مع نظام الأسد الذي يرفض بشدة إدخال المعونات في رمضان أو سواه، من أي جهة كانت، وعبر أي طريق، مشترطا موافقته المسبقة وسط إذعان دولي لهذا الشرط، ولم تنفع حرمة رمضان كما لم تنفع من قبل.

وهكذا الحال، فالسوريون الآن قسمان: إما محاصر بتفاقم الوضع الاقتصادي وارتفاع سعر الصرف وسط الغلاء والبطالة، وإما محاصر بالنار والبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية، بالإضافة إلى العجز والجوع.

 وما بين الطرفين اللذين يمثلان غالبية الشعب السوري، ينتقل السؤال المر: ماذا يأكل هؤلاء وبأي أصناف يزينون موائد إفطارهم الرمضانية ؟ إلى سؤال أكثر مرارة ووجعا؟ ماذا يأكل هؤلاء؟ وماذا يتوفر لديهم من مقومات الصمود الغذائية؟

وإلى متى سيبقى العالم صامتاً أمام هول الكارثة الإنسانية؟

السوريون في الداخل،هم بأكثريتهم جياع ومقهورون، ربما الفرق في الدرجة لا في النوع بين محاصر وغير محاصر،ولكن لا سبيل أمامهم سوى الاستمرار لتحقيق أهدافهم التي خرجوا من اجلها  قبل ست "رمضانات" كبديل عن العودة لبيت الطاعة الأسدي.

التعليقات (1)

    عبالوهاب

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    بسم الله الرحمن الرحيم انا هجرة وطني من القتل والظلم واتيت الى تركيا لكي امن على عائلتي ونفسي وديني وعملت في التمديدات الكهربائيه وللاسف لايختلف الوضع هنا عن بلدي انظر اخذت من راتبي من اول شهررمضان حتى الان 150ليره تركي كيف لي ان اعيش بهذا المبلغ خلال شهر رمضان انه الظلم بعينه هناك قتل وهنا قتل انما ببطئ قتل اقصادي قتل معاشي هذه هي الحياة هنا ويقولون نحن الانصار اين انتم من الانصار اين انتم من الاسلام انتم عبدة المال انتم مثل القتله بل اسؤ منهم انكم منافقين ولكن لنا وقفه بين يدي الله وكل انسا
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات