من هو الطائفي؟

من هو الطائفي؟
في خطابه في مجلس الشعب قبل أيام، اتّهم رئيس النظام السوري المعارضة بأنها طائفية وتسعى لتكريس هذه الصفة في سورية، كما قال إن المصطلحات الطائفية باتت تأخذ حيزاً مهماً في الخطاب السياسي للدول الإقليمية والدولية الراعية للإرهاب، وهو يعني هنا الدول الداعمة للثورة وللمعارضة، واتّهم الخارج بأنه يضغط عليه للموافقة على وضع "دستور طائفي" لسورية، كما وعظ السوريين بأن النظام الطائفي "يحول أبناء الوطن الواحد إلى أعداء وخصوم"!.

قبل هذا الخطاب بخمس سنوات، أي في الأيام الأولى للانتفاضة، خرجت مستشارة الأسد بخطاب طائفي كان مُستهجناً في حينها، قالت فيه إن الانتفاضة طائفية وتستهدف الأقلية العلوية لا النظام السياسي، وبين هذا التصريح وذاك، أي طوال خمس سنوات عمل النظام بكل الوسائل على إلصاق تهمة الطائفية بالمعارضة وعلى توصيف الثورة بالحرب المذهبية.

حاول النظام وحلفاؤه وأصدقاؤه ومريدوه ـ ويحاولون ـ بكل الوسائل قلب الآية، ونفي الصفات المُثبتة على النظام، ويتهمون المعارضة وداعميها وكل من لا يقف بجانب النظام بأنهم السبب في إيقاظ الطائفية وتأجيجها ونشرها وتعميمها في سورية، ولم يجد النظام السوري منذ بداية الانتفاضة ما يبرر عنفه سوى اتّهام الثائرين ضده بأنهم طائفيون، لكن الأحداث التالية التي مرت كشفت العكس، ورسّخت القناعة بأن النظام هو نظام طائفي حتى العمق، قناعة لطالما خاف السوريون من الخوض فيها، وتحدثوا عنها همساً في مجالسهم.

منذ أن استلم الأسد الأب السلطة عام 1971 بانقلاب عسكري، أجرى تغييرات جذرية بجهاز الحكم ووضع ضباطاً علويين في المواقع الحساسة بالجيش والأمن، هيمنوا على الدولة وتسلّطوا على المجتمع، وزجهم بدوامة طائفية كانوا بغنى عنها، وعند استلام ابنه السلطة، ضم الجيش السوري 1150 ضابطاً علوياً رفيع المستوى من أصل 1250 ضابطاً رفيع المستوى في كل الجيش، وكان 90% من قادة ومنتسبي الأجهزة الأمنية والمخابرات من نفس الطائفة، وخلال خمسة عقود صار 90% من المدراء العامين منهم، و70% من أصحاب الشركات و85% من المبتعثين للدراسة في الخارج، و80% من مدراء المدارس، ومثلهم من أمينات السر وأمينات المكتبات والمخابر (وظائف تنفيعية)، واقتصرت مدرسة التمريض عليهم، ومعظم منتسبي معاهد المعلمين، وصارت المناصب الكبرى من نصيبهم، أو نصيب من يرضون عنهم من الانتهازيين من الطوائف الأخرى، وكذلك الامتيازات والبيوت المجانية والسيارات والمزارع والمساعدات الزراعية والقروض الميسّرة والصفقات التجارية والسياحية ومناقصات الدولة، في محاولة منه لشراء سكوت الطائفة وتوريطها معه لتقف إلى جانبه في الأيام السوداء، ما دفع غالبية البيئات المعارضة لإقامة حالة من التماهي بين هذا النظام والطائفية.

خلال الثورة السورية، وزّع النظام السلاح على المدنيين من طائفته، وكانت أول طائفة تُشكّل مليشيات مذهبية طائفية من لون واحد (قبل داعش)، وسمج لها بتجاوز القانون والشرع والأخلاق، وبانتهاك كل حرمات الطوائف الأخرى، كما شجّع جمعيات طائفية (كالمرتضى والبستان) بتقديم السلاح للمدنيين العلويين دون غيرهم، وسمح لعشرات الآلاف من المرتزقة الطائفيين العراقيين واللبنانيين بالقتال بسورية لدعمه بحجة حماية مقامات دينية ذات لون مذهبي واحد، فيما قام بتدمير وتفجير آلاف المساجد التي تتبع للون المذهبي الآخر، كما دمّر 69 من الكنائس، واستعادت ميليشياته وميلشيات حلفائه شعارات طائفية وأحقاداً عمرها أربعة عشر قرناً، وغطّوا جدران دمشق بملصقاتهم الطائفية، وأصمت أغانيهم الطائفية آذان السوريين، كما سمح لآيات الله ومجالس قم بأن تحوّل (شام شريف) لمزار شيعي كبير، ووثّقت مراصد حقوقية ارتكاب النظام لـ 56 مجزرة تحمل صبغة طائفية منذ بدء الثورة، كما وثّقت قيامه بعمليات تغيير ديموغرافي مذهبي واسع في الكثير من مناطق سورية.

جعل نظام الأسد والابن العلويين مواطنين من الدرجة الأولى، فيما جعل البقية من غير طائفته (مع أبناء طائفته ممن لا يوالونه) مواطنين من الدرجة الثانية، حتى لو كانوا نواب رئيس أو وزراء، ولم يكن ليمتلك أياً منهم سلطة القرار، بل كانوا مجرد موظفين شكليين وغطاء لخطاياه وتعبئة فراغ لادعاءاته اللا طائفية.

لم تكن يوماً العقيدة أو المذهب هي السبب بوقوف نسبة كبرى من العلويين مع النظام، بل الامتيازات المادية والمعنوية والإدارية المتضخمة، لكن النظام أشعرهم بأنهم مستهدفون بسبب طائفتهم، فخلق حالة من الخوف لديهم من الغالبية السنّية تحديداً، وهو يتحمل وزر طائفيته ووزر توريط طائفته بحربه الطائفية.

لم يصف أحد الثورة السورية بـ (الحرب الطائفية) إلا النظام، ولم تقتل المعارضة على الهوية، ولم يُعلن أحد المذاهب السنّية حرباً ضد مذهب آخر، ولم تقم المعارضة بمجازر بسبب الانتماء الديني وحده، ويشهد مسيحيو سورية ودروزها واسماعيليوها وبقايا يهودها على أن القتل على الهوية الدينية لم يجد له مكاناً في سورية حتى الآن، لكن سياسة النظام الطائفية التي يحاول نفيها عن نفسه وتحميلها للمعارضة، راكمت أحقاداً قد تنفجر إن لم يوضع حد لها بوقت قريب.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات