من ربح ومن خسر ومن تعلم من التجربة ومن صمد ومن انهزم؟ أسئلة تحمل إجابات متعددة عن طبيعة الرابحين والمتعلمين والصامدين، أما الخاسر المنكوب فهم سنّة الإقليم، في سوريا ولبنان والعراق، المفارقة الفاجعة أن السنّة الخاسرة ليسوا كل السنّة والفئة الرابحة ليست رابحة.
وما من دليل أكثر وضوحاً على الانقلاب في مزاج السنة والانتفاضة على من أوصلهم لما هم فيه، خير من الاستدلال بما حصل أخيراً في طرابلس لبنان المدينة التي أقصت ولفظت ديمقراطياً كل طبقتها السياسية السنّية الفاشلة الفاسدة، ومنحت العهدة لمن ترى فيه بديلا عن مرحلة من الخذلان والتواطؤ والضعف، فأعطى الناس في طرابلس لأشرف ريفي أصواتا جعلت قائمته تكتسح قائمة التحالف الذي يضم كل الزعامات السنية التقليدية في المدينة، انقلاب ريفي وقائمته لا يدعمه مال سياسي، ولا تاريخي عائلي سياسي، هو مدعوم فقط من وضوح موقف الرجل، والتزامه التمييز بشفافية بين ما هو حق للسنة، وما هو خطف طائفيا للبنان بشعارات الوطنية الزائفة التي تستر عيوب المد الإيراني الطائفي المتمثل بحزب الله ومن يتحالف معه مصلحياً.
ليس نموذج ريفي هو الوحيد بل في سوريا كان النموذج صارخا، والانقلاب على سنة الأسد كان من خلال الحرب عليهم، بعد أن اختاروا طواعية، أن يكون بيادق في مشروع الإبادة الذي يديره الأسد وأخيه وثلة ليست قلية من طائفته، لصالح الطائفة وإيران أيضا، فلم يعد مقبولا لدى سنّة سوريا الثائرين، أن يكون مفتي الأسد محسوباً عليهم فلفظوه، لا بعض الوزراء والمدراء أو العسكر ممن يقتلون الشعب محسوبين أيضا عليهم، ولذلك ايضا استبدلوهم ببدائل يمكن وصفها بالمتاحة فتشكلت كتائب عسكرية وفرق مدينة وحركات ترفع شعارات دينية وكان من ضمن البدائل جبهة النصرة، وتنظيم الدولة الإسلامية، وكل هذا للرد أولاً على الطبقة السنية التي تشارك قاتلهم، قتلهم، وتشاركه دمهم في الثأر، وهي طبقة كانت، وستظل منديلا للاستخدام والرمي.
لا يختلف الحال في العراق الذي شهد المأساة مبكرة فأصبح بعض "الأركوزات" من الطائفة يمثلون محافظات مهمشة فقيرة، ومناطق سحقتها الحرب الطائفية التي شنتها إيران وبعض أزلامها، ومورس بحق أهلها كل صنوف القتل والتعذيب والإقصاء والتهميش، وأخر الأفعال أن سلمت حكومة نوري المالكي المحافظات السنية لتنظيم الدولة الإسلامية، ثم بدأت حرب إبادة على أهل هذه المحافظات، بمخطط قذر يقدم العراق مجددا لإيران، لكن هذه المرة مصفى من السنّة الذين قتلوا أو هجروا، أو أصبحوا أهدافا مشروعة كماهي الحال في الفلوجة اليوم التي تحرق كما حلب وإدلب تحرق جهارا ونهارا وبرضى ومشاركة الجميع بمن فيهم السنًة "الأركوزات" الذين يدعون تمثيلها في منظومة الحكم الحالية.
هذه البلاد أصبحت بحق تحتاج سنة جدد، يمثلون أهلها ويدافعون عنهم ولا يمكن أن تُحصر الخيارات كما يريد لها الأعداء، بتنظيم الدولة بل لابد من إنتاج طبقة جديدة، وهذا ما سيفعله أهل هذه البلاد في قادم الأيام إن كان في السياسة كما فعل أهل طرابلس في لبنان، أو بالحرب كما يفعل سنة سوريا الثائرون.
التعليقات (4)