فجوهر المراجعات البناء على ما أنجز، وضخ طاقاتٍ جديدة لتكون حاملاً لمشروع الثورة الوطني الذي بدأتهُ قبل خمسة أعوام ولم تتمهُ بعد، بل لازال معلقاً بين سندان المصالح الدولية ومطرقة الصراعات الداخلية.
تعيش الساحة السورية بمختلف تشكيلاتها حالة من الإنسدادالسياسي والمراوحة في المكان، يعودُ هذا الأمر لعدة عوامل في مقدمتها عدم توفر إرادة حقيقية لدى المجتمع الدولي لحسم الصراع، وكثرة الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة فيه وتضارب مصالحها، وغياب قيادة فعلية للمعارضة السورية، وتعنت نظام الأسد في المضي بأي عملية سياسية تفضي إلى حلّ يرضي جميع الأطراف.
ونحنُ كسوريين نستطيع التأثير في هذه المعادلات جميعاً عندما نمتلك قيادة فعلية، تستمدُ قوتها السياسية من ثقة الشارع السوري بمختلف قطاعاته، لتفرض أوراقاً جديدة غير تلك الموجودة على طاولة الملف السوري حالياً.
حاولَ السوريون إنتاج قيادة سياسية فكانت ولادة المجلس الوطني السوري بعد سبعة أشهر من انطلاق الحراك الثوري والذي اعتمد على محاكاة التجربة الليبية التي اعتمدت كلياً على فكرة التدخل الخارجي، ثم بعد ذلك تمّ إنتاجُ الائتلاف الوطني بظروف مشابهة تقريباً ليضم إلى صفوف المعارضة السياسية بعضاً من ممثلي الحراك الثوري المدني ليتم توسعته فيما بعد ويضم ممثلين عن بعض التشكيلات العسكرية، ورغم ذلك لايعدّ الائتلاف قيادة فعلية وحقيقية للحراك السوري وقواه.
لن نناقش كثيراً الأسباب التي أدت إلى فشل هذه التجارب بصناعة قيادة فعلية، فبعضها مرده للخارج وأكثرها داخلي، فتعدد أطياف المعارضة السياسية وتياراتها المشكلة للمجلس والائتلاف كانت سبباً في تعثر سيره رغم اتفاقها على خطوط وطنية عريضة لاينكرها أحد، فالمكونات التي شكلت القيادة السياسية تجعل من العسير المضي في أي خطة أو مشروع حتى النهاية بسبب تضارب مصالحها الحزبية، فغلب على عمل المجلس والائتلاف الصبغة الإعلامية وبعض النشاطات السياسية في العواصم الأجنبية والعربية والتي لاتغني ولاتسمن من جوع طالما أنّ هذه العواصم تدرك أنه لا كلمة لهؤلاء على من هم في الميدان فضلاً عن عجزهم عن تسيير مظاهرة سلمية ليس في سوريا وحسب بل حتى في أي عاصمة أجنبية.
يقولُ نابليون بونابرت:”فن الحكم يقتضي أن لاتدع الرجال يهرمون في مواقعهم”.
وإذا كان كلام نابليون ينطبق على الدول المستقرة فالأولى أن تتبعه الثورات التي تعيش حالات متسارعة من التغيير والإعصار السياسي والميداني الذي يعصف بالمنطقة برمتها.
فواقع المرحلة ودناميكية الصراع يقتضي ضخ طاقات وكفاءات جديدة على كل الصعد، للتمكن من تجاوز عثرات السابقين، تستطيعُ البناء على ماتمّ إنجازه وتستنير بالتجربة وتقوم بمراجعات للمراحل السابقة لتجترح حلولاً واقعية تستطيع كسر حالة الجمود التي تمرّ بها القصية السورية.
التعليقات (4)