100 سنّي مقابل كل علوي "شهيد"

100 سنّي مقابل كل علوي "شهيد"
"هناك" على بعد قرية، أو تلة يقتل الناس بالبراميل والصواريخ دون ضجيج، وكأن ما تبقى من أرواح أو بلاد "هناك" عليها أن تكون دائماً مستعدة للمجزرة، على بعد مدينة من "هنا" لا قيمة للموت، يوزع مجاناً على الجميع، ويطالهم دون تمييز خاصة بعد أن اخترع سهيل الحسن البرميل كآلة مبتكرة توفر الموت بأرخص الأثمان، و"هناك" أيضاً لن يجد من داهمه الحظ ليبقى حياً، لن يجد وقتاً لإحصاء الموت أو حتى للاحتفاء بشهيد، وكأن موت أولئك لا يليق به أي نوع من الحزن أو حتى الإدراك، فأصبح الحلم موتاً عادياً، مع رفاهية الحفاظ على كامل الجسد، أو جثة غير منقوصة، أو حتى أشلاء تكمل رسماً كما ألعاب البازل.

وأصبح المشتهى قبر فسيح يكرس الوحدة، يلم الجمجمة مع أصابع اليد وشيئاً من الفقرات في مكان واحد، و"هناك" لا مجال لإحصاء عدد البراميل أو الصواريخ أو حتى القتلى، ويصعب على أي باحث، مؤرخ، محترف أن يُلم بأطراف هذه القيامة المستمرة، لكن أي باحث، أو متابع أو مهتم يمكنه الاستعاضة عن ذلك بعمل بسيط، وهو تحديد المقتول المنكوب، وهو بالجزم على ذمة التاريخ، من سنّة سوريا، وغالباً من عربها السنّة.

ومع هذا الانقسام العمودي لخارطة الموت ثمة من يبحث عن حياة أيا تكن، فآثر الهجرة، وكانت أيضاً من نصيب العرب السنّة، وفي هذا الباب ينطوي بند التشرد والهيام على الوجه في الدروب والغرق في البحار، وثمة من رأى البقاء حلاً لكن في القسم الحي من الوطن، فانتقل عرب سنّة إلى الساحل السوري "الذي حُسب منذ نصف قرن على الطائفة العلوية"، أما الانقسام أو الشرخ فهو حاصل، واقع فاقع، ترسم حدوده الدماء، ومن هذا التقسيم برزت جغرافياً ما يمكن تسميته "هنا" و"هناك" وهذا الظرف المكاني هو المنكوب من الخارطة المقتول المستباح، أما "هنا" فالموت وافد جديد.

"هنا" هي مناطق سورية لكنها خارج إطار الصورة التي تقطر دما ودمارا، هنا حيث استطاع الأسد (الأب والابن) وعصابتهما عامدين أن يجعلاها منطقة خضراء لسكانها من الطائفة العلوية يعيشون فيها كأرباب، وسواهم من أهلها الأصلين يعيشون على هامش الإقصاء والتشبيح، وأصبحت مع انطلاق حرب الأسد على السوريين ملاذاً يشبه المعتقل الكبير لمن هرب إلى المنطقة من سوريين آخرين، والهرب واللجوء والموت هي أحوال سنّة البلاد، ولا أحد غيرهم، إلى أن ضربت تفجيرات عنيفة المنطقة من جبلة إلى طرطوس، حيث المعاقل الكبرى للطائفة، وهذه التفجيرات وما رافقها، يمكن أن تدار حوله حلقات بحث ونقاش وتطرح فرضيات وفرضيات، إلى أن تسيطر فوضى الاحتمالات على المشهد، ويحكم اللامنطقي الدوافع، ليتحول كل أمر لا منطقي لدافع.

من فَجر؟ وبالضرورة لماذا؟ وهذا السؤال هو القاعدة الذهبية "للمعرفة الجاني ابحث عن المستفيد"، من المستفيد؟ هل نظام الأسد فَجر، لماذا؟ إذ إنه أخضع طائفته ومواليه منذ بداية حربه لدوامة العنف بشكل إرادي، فأصبحوا يرون المستقبل إما قاتلاً وإما مقتولاً، عمل على ذلك جاهدا وساعده حزب الله وإيران وروسيا، على أن يبقى الموت خارج المنطقة الخضراء، فلماذا يضرب اليوم في قلبه؟ هل هي رسالة للمجتمع الدولي، ويسأل سائل هنا، هل المجتمع الدولي يكترث لما يفعل الأسد حتى يضطر هو لخلق مبررات لبراميله؟ هل تنظيم الدولة استطاع فعلا إحداث هذا الخرق الأمني، وهل هو المنفذ؟

التفجيرات وقعت وكان لها تبعات، فالموت "هنا" وافد جديد، التبعات اعتداءات علنية على السنّة الموجودين في المنطقة الخضراء، فهم رهائن لمثل هذه اللحظة، قتل، وحرق، وقطع أرزاق، وهذا وقع، لكن ما فاضت به المنطقة من أحقاد ولغة إبادة تجاه السنّة كان كافياً لتعرية الاندماج في المجتمع السوري أكثر، وهو المعرى أصلا، والأمر وصل إلى دعوة للقتل الكمي، فقيل "هنا" حيث الآلهة التي لا تصاب قيل صراحة: مئة سنّي مقابل كل علوي "شهيد".

لم يعد قتل السنّة بالبراميل والصواريخ وتهجيرهم وتدمير حاضراتهم يكفي، بل أصبحت الدعوة لقتلهم بدافع "فشة الخلق" فقط، رغم أن من هو موجود منهم في الساحل هو الأكثر قبولاً لصيغة العيش المشترك تحت مظلة الحكم العلوي.

أما صفحات التواصل الاجتماعي فلم تكن يوماً مقياساً لمزاج الشارع كماهي اليوم فأصبحت تعبر عن كل ما يدور في أي مجتمع كانعكاس للسلوك، والأهم أنها رفعت الحرج من خلال عدم التصريح بالأسماء، وأصبح من يريد أن يقول أو يفعل، يمكنه ذلك دون أي عواقب.

القول مباح دون هوامش الحفاظ على اللحمة الوطنية التي حتى الأسد ما عاد تاجر بها، أما الفعل فيقع دون رادع، فكان يوماً بإمكان أي امرأة علوية أن تخلع حذاءها وتصعد حافلةً معبأة بالمعتقلين السنّة، لتضربهم بحقد على رؤوسهم وهم المساقون إلى المقصلة، وتسبهم وتضربهم بما تيسر في يدها من حجار أو عصي حتى تتشفى لولدها أو زوجها القتيل، تحت أعين العسكر الأسديين، أما اليوم صار باستطاعة أي علوي داهم الموت ذويه أن يقتل سنّياً في الشارع أو عائلة كاملة حتى المئة، وهذا القتل قائم، يفرح الأسد وينعش مشروعه الأبدي للبقاء سيد الرعب، وبالعودة للأقوال فما رشح من نوايا ومن توزيع اتهامات، وتوعد، فهو أخطر من أن يكون وليد لحظة غضب، ففيض الحقد طال كل من هو سنّي بمنطق أن من فجر في الساحل هو سنّي وأصبح المهاجرين إلى المنطقة الخضراء أهدافا مشروعة، وبهذا المنطق يمكن لأي شخص من إدلب أو حمص مثلاً أن يقتل أي علوي لأن بشار الأسد أو سهيل الحسن علويان.

من كل هذا يمكن القول إن أي موت "هناك" مقبول عالمياً وإقليمياً ومحلياً فالضحايا هم أصلاً من المراد تصفيتهم بالجملة، ولا شيء يستدعي حتى إدانة قتلهم أو حتى ابتكار طرق أكثر فتكاً كي يموتوا جماعات دون آلام البقاء كما تفعل الآن البراميل، ويمكن القول إن سورياً لم يكن فيها مع آل الأسد يوماً مجتمع، بل كانت منذ نصف قرن مقسمة بين "هنا" و"هناك" ومادامت منطقة العلويين الخضراء "هنا" بخير يبقى كل شيء بخير فماذا الأن يا ترى بعد أن ضربت، هل حان وقت الاستقلال لتبقى خضراء؟

التعليقات (5)

    طرابلسي

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    صدقت اخي الكاتب ،الحاصل في هذه الايام هو التالي ،ان دم اهل السنة بلا ثمن والكل يطالب بسفكه ولكن ابشرك بان هذا لن يدوم ان شاء الله

    حمدون الحمدون

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    مع اﻷسف السنه ﻻقيمة لهم .أبدا وﻻ أحد يسمع بينما عندخا يقتل شخص من غير السنه تقوم الدنيا وتقعد سبحان الله حتى عندما دخل الثوار قريه الزارة قامت الدنيا وقعدت حتى أمين عام اﻷمم المتحده أستنكر تحيرير الزارة علما هي قريه خاويه وخاليه نهائيا من ساكنيها لم يبفى فيها سوى كام شبيح ﻻ أحثر وﻻ أقل .

    الواصل

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    غريب عنوان المقال ؟ لايوجد علوي شهيد

    فكروعكر

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    والله صدقت يااخي اشكرك على هذه الكلمات الصافية والشفافة فعلا هذا الحال في بلدنا سورية

    firas

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    موضوع بالغ الأهمية و واقع 100% و هو درس للذين يحاولون ان يقولوا او ينادوا بالعيش المشترك في مناطق سيطرة مجرمي النظام شكرا لك.
5

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات