"ثالوث الموت" في مضايا

"ثالوث الموت" في مضايا
تواصل ميليشيا "حزب الله" اللبناني وقوات النظام محاصرة بلدة "مضايا" في ريف دمشق الغربي، وذلك للشهر 11 على التوالي، حيث بلغ عدد الوفيات نتيجة الحصار والجوع والمرض والألغام 179 شهيداً، حسب "مكتب الاحصاء والتوثيق في مضايا والزبداني"، حيث يتربص "ثالوث الموت" من "جوع ومرض وألغام" بنحو 40 ألفاً من المحاصرين في مضايا.

سياج من الألغام

بدأ حصار مضايا مع انطلاق "معركة الزبداني" في الشهر السابع من العام الفائت 2015، فمنعت الحواجز العسكرية لحزب الله دخول البضائع والخبز والغذاء والدواء، بالتزامن مع نشر الحزب آلاف الألغام في محيط البلدة، بهدف منع أي عملية تسلل يقوم بها الاهالي في سبيل تهريب ما سد قوت أبنائهم.

وتحت ضغط الحصار الخانق، اضطر الكثير من أهالي البلدة، إلى أكل القطط والأعشاب وأوراق الأشجار ومخلفات النفايات.

ويقدر ناشطون في مضايا تواصلت معهم "أورينت نت" أثناء إعداد التقرير؛ عدد الألغام المزروعة في محيط البلدة بأكثر من 8000 (ثمانية آلاف) لغم موزعة في الجهة الجنوبية والجهة الغربية والشرقية للبلدة، وكذلك على محيط الحواجز والنقاط العسكرية كحاجز "المؤسسة وحاجز البراق وحاجز الوزير و بيضون" وغيرها. ناهيك عن الألغام التي نشرت من جهة "التكية" لإلى بلودان أو ما يسمى شرقي مضايا.

ويقول الناشط "أمجد" ميليشيا حزب الله تتعمد زرع ألغامها في الليل، حيث يسبق هذه العملية اطلاق رصاص عشوائي.

في شهر آذار المنصرم تم رصد تحركات كبيرة للحزب وقوات الأسد على أطراف مضايا والزبداني، تم خلالها رفع سواتر ترابية عالية، وتعزيزها بالألغام والشريط الشائك لتغلق بشكل تام منافذ مضايا ومن يحاول الفرار فمصيره الموت أو الإعاقة مدى الحياة.

الألغام أخطر مخلفات الحرب!

يتخوف الناشطون في مضايا من عدم وجود خريطة أو طريقة لتوزيع الألغام مما يصعب ازالتها في الوقت اللاحق، وبلغت حالات بتر للأطراف 9، خلال فترة الحصار بينهم طفلين بترت أقدامهما من فوق الركبة، إحداهما "الطفل قصي" الذي قال كلمته المشهورة "الحمد لله يلي انقطعو رجليي لأطلع من مضايا وآكل !" وهو طفل لم يتجاوز 11 ربيعاً.

ويؤكد "أبو محمد" قائد فصيل عسكري تابع لحركة "أحرار الشام" في مضايا بأن "الألغام أخطر وسائل الحرب وأكثرها ضرراً، حيث يستمر أثرها على المدى البعيد، حيث يدفع الناس الأبرياء حياتهم أو بتر أطرافهم ثمناً لإجرام الأسد".

ويضيف أبو محمد "ما يزيد مأساة مضايا ويزيد حصارها هي الألغام .. في السابق كنا نستطيع تهريب بعض المواد رغم الحصار ؛ لكن اليوم نخشى أن ندوس على التراب فينفجر.. حاولنا ازالة بعض الألغام رغم خطورة العمل فليس لدينا معدات أو آلات للكشف عنها.

لعنة الألغام 

خلفت ألغام حزب الله 13 ضحية من أبناء مضايا، بينهم ثلاثة أطفال دون التاسعة؛ تقاعس الهلال الأحمر والصليب الأحمر عن اسعافهم مما تسبب بوفاتهم، بعد أن انفجرت بهم عبوة ناسفة على أطراف البلدة، وتسببت أيضاً في بتر أطراف أطفال آخرين وإعاقات مدى الحياة.

لم يتلق الأطفال علاجاً سريعاً، بسبب ضعف الإمكانيات في المشفى الميداني في مضايا مما تسبب بالوفاة بعد معاناة مع النزيف، الذي لم يستطع الطبيب الوحيد (وهو طبيب غير مختص بالجراحة والعمليات الجراحية) وبعض المسعفين من معالجته.

محاولات "بائسة" لترميم الأطراف

وحول الأطراف المبتورة، يقول الدكتور "أحمد الحلبي" إن الأطباء يتخذون قرار بتر طرف ما إذا شكل خطر كبير على الجسم، ولا يمكن معالجته بالأدوية في هذه الحال يتوجب على الطبيب بتره، وخاصة عند انفجار الألغام التي تتسبب بضرر كبير لا يمكن معالجته بالأدوية بسبب تهشيم بالعظم وتلف الأنسجة والأعصاب فيستحيل ترميمها، واذا تهشمت الأنسجة يموت العضو؛ لفقدان الدورة الدموية ويسبب "الغرغرينا" التي يمكن أن تنتشر وتتسبب بالوفاة.

ويضيف "الدكتور أحمد" لـ"أورينت نت" أن الإصابة بالألغام خطيرة على الجسم حيث تحدث نتيجة ضغط شديد والحرارة العالية مما يؤدي لتشطر الأنسجة وتدميرها فإن نجا المريض من الموت، لن ينجو من اصابة خطيرة تكون على كامل العضو وتسبب جروحاً عميقة وخطيرة وفي أغلب الأحيان يتوجب بتر الطرف"، مشيراً إلى أن المحاولات "البائسة" للترميم، بسبب ضعف الامكانيات الطبية في البلدة، لافتاً إلى أنه "لم تسجل أية حالة تعرضت لانفجار ونجا العضو من البتر عبر الترميم".

بعد بتر الطرف من الجسم نتيجة اللغم لا تنتهي المشكلة؛ إنما يتبعها معاناة نفسية عصيبة يمر بها المريض تتطور لتصبح أزمة نفسية يحتاج للمتابعة والعلاج يعقبها الإحباط والغضب، لكن في المقابل، الشاب "عمران" (17 عاماً) من أبناء الزبداني، الذي بترت قدمه في وقت سابق نتيجة انفجار لغم أثناء جمعه الحشائش في أطراف مضايا، استطاع تجاوز معاناته نفسية والجسدية، لينكم من مزاولة حياته بشكل طبيعي، بعد تقبل وضعه الجديد ويقول "هذا ما كتب الله لي .. الحمد لله".

"عمران" حالفه الحظ، وتم إجلاؤه من مضايا طامحاً باللحاق بأبيه وأخيه في ادلب، ويذكر أن أخيه يعاني من بتر وأبوه من قصر 7سم من قدمه بسبب اصابته بإحدى المعارك، يتمنى "عمران" اليوم تركيب قدم صناعية ليمارس حياته بشكل طبيعي، وأن لا ينظر له الناس بعين الشفقة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات