رسالة إلى روسيا: سلاحكم النووي لم يحم الاتحاد السوفياتي من السقوط، ولن يحمي الأسد؟

رسالة إلى روسيا: سلاحكم النووي لم يحم الاتحاد السوفياتي من السقوط، ولن يحمي الأسد؟
لم يخطئ الروس أبداً عندما اتخذوا من الدب الروسي شعاراً لهم، فهو ينطبق على سياساتهم بدقة ماضياً وحاضراً، فقد بنوا امبراطورية شيوعية كبرى مترامية الأطراف، لكن أساساتها كانت مبنية على رمال، فانهارت انهياراً مدوياً بعد حوالي سبعين عاماً فقط، وخسرت كل رهاناتها ومعاركها مع الغرب الرأسمالي، لا بل راحت بعد انهيارها تنافس الغرب في الرأسمالية المتوحشة، ويكفي أن نعلم أن موسكو الاشتراكية ذات يوم أصبحت من أغلى عواصم العالم، لا بل إنها تنافس أحياناً لندن ونيويورك في غلاء الأسعار.

على عكس الدول الغربية، وخاصة أمريكا التي غزت العالم ليس فقط عسكرياً، بل أيضاً ثقافياً وتكنولوجياً، فقد اعتمدت روسيا على ذراعها العسكري والأمني فقط في الداخل والخارج، داخلياً كان النظام الشيوعي يدير إمبراطورتيه داخل الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية، وحتى في البلدان التي كانت تدور في فلكه، كان يديرها بعصا حديدية غليظة، فكانت أجهزة الأمن تراقب أنفاس الناس، وكان الكل يتجسس على الكل، وقد نجح الروائي البريطاني الكبير جورج أورويل أن يصور الحياة في ظل النظام السوفياتي الشيوعي أجمل تصوير في روايته الرائعة "مزرعة الحيوانات" التي جسدت أفضل تجسيد نظام الحكم المخابراتي البغيض وعقلية "الأخ الأكبر" في أسوأ أشكالها.

ونظراً للتركيز السوفياتي على الذراع الأمنية والعسكرية وإهمال الجوانب الحياتية الأخرى في المجتمع السوفياتي، لم يستطع النظام الشيوعي أن يصمد طويلاً في صراعه مع الغرب الرأسمالي، وبينما حصر السوفيات اهتمامهم في القوة، تنوعت إبداعات الغرب في كل المجالات، مما كان يجعل المواطن السوفياتي يحلم بسيجارة مالبورو أمريكية أو قدح ويسكي اسكوتنلندي، لقد كان السوفيات دائماً يشعرون بعقدة نقص كبرى تجاه الغرب رغم قوتهم العسكرية الرهيبة، وقد أثبتت الأيام أن القوة لوحدها لا يمكن أن تصنع مجداً ولا إمبراطوريات طويلة العمر.

بعد حوالي سبعين عاماً من حكم القبضة الحديدة السوفياتية، بدأت الشعوب الأوربية الشرقية والروسية تتململ، وكان الاتحاد السوفياتي وقتها يمتلك واحدة من أكبر الترسانات النووية في التاريخ، ناهيك عن أسلحته الرهيبة وصواريخه العابرة للقارات، لكن ماذا فعلت تلك الترسانة العسكرية الهائلة للنظام السوفياتي عندما تحرك الشعب، وأراد أن يتحرر من ربقة الديكتاتورية الشيوعية الحقيرة؟ لا شيء، لقد انهارت الأنظمة الشيوعية بين ليلة وضحاها كقطع الدومينو رغم جبروتها العسكري والأمني الفظيع، حتى روسيا نفسها لم تستطع أن تقاوم المد الشعبي الذي اندلع أولاً في مستعمراتها في أوروبا الشرقية، وسرعان ما تفكك الاتحاد السوفياتي نفسه، واستقلت جمهورياته الكثيرة، حتى روسيا نفسها تحولت إلى دولة مافيات بعد عقود من القبضة الشيوعية الحديدية، ولم تستعد أمنها وعافيتها إلا بعد سنوات وسنوات، وعندما عادت إلى الحياة، لم تحاول منافسة عدوها القديم الغرب، بل، كما أسلفنا، راحت تنافسه في نظامه الرأسمالي، مع احتفاظها طبعاً بعقليتها الفاشية الأمنية الديكتاتورية.

لماذا لم تتعلم روسيا الحالية من تجربة الاتحاد السوفياتي، ومن أن القوة الوحشية لا يمكن أن تحمي المجتمعات ولا الأنظمة السياسية؟ فكما أن الترسانة العسكرية الروسية الرهيبة لم تستطع حماية الاتحاد السوفياتي من التفكك والسقوط، فبالتأكيد فإن استخدام ذراعها العسكري الوحشي في سوريا لن ينقذ نظام الأسد، ولن يعيد سوريا كما كانت. لا شك أن الطيران والصواريخ والقنابل الروسية تستطيع أن تبيد سوريا عن بكرة أبيها، لكنها لا تستطيع أن تحمي نظام الأسد، تماماً كما كانت القنابل النووية السوفياتية قادرة على تدمير كوكب الأرض ثلاثين مرة، لكنها لم تكن قادرة على حماية الاتحاد من الانهيار ومنع الشعب من الثورة وتغيير نظامه السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

لماذا كان من حق كل دول أوروبا الشرقية الشيوعية أن تنفصل عن الاتحاد السوفياتي وتستقل في دول ديمقراطية حديثة، وليس من حق الشعب السوري أن يخرج من تحت العباءة الروسية الديكتاتورية؟ لماذا تتنمر روسيا بأذرعها العسكرية الفاشية على شعب أراد الحرية والتخلص من ربقة الطغيان العسكري ذي النفس السوفياتي البغيض؟ لماذا تريد روسيا أن تفرض على السوريين كلبها الحاكم في دمشق؟ قد تستطيع روسيا أن تحمي ذيل الكلب عسكرياً، لكن هل تستطيع إعادة بناء سوريا وتوصيل أشلائها الاجتماعية والديمغرافية والإنسانية والاقتصادية المقطعة؟ نحن نعلم من التاريخ أن الروس متوحشون في التدمير، لكنهم بائسون في التعمير، يستطيعون تدمير سوريا على الطريقة الشيشانية.

لكنهم لا يستطيعون بناء دول ديمقراطية مدنية حديثة محترمة لا في سوريا ولا في غيرها، وأكبر دليل على ذلك انفصال أوكرانيا ودول كثيرة عن النفوذ الروسي والانضمام إلى المنظومة الغربية، ولا نعتقد أن روسيا قادرة على وضع سوريا تحت الوصاية، لأنها ليست مستعدة أن تنفق قرشاً واحدة على سوريا، هل استقبلت روسيا لاجئاً سورياً واحداً؟ بالطبع لا، والسبب أن الروس ليسوا مستعدين لإنفاق دولار واحد على ضحايا البطش والطغيان في سوريا، وقد اعترف الرئيس الروسي شخصياً بأنه يستخدم الأرض السورية لتجريب أسلحته الجديدة ولعقد صفقات لبيع السلاح بعد استخدامه على أرض الواقع على السوريين.

لذلك نقول للمراهنين على الدب الروسي: لو كانت القوة الروسية الهمجية نافعة لكانت حمت الاتحاد السوفياتي من السقوط، والأقربون أولى بالمعروف، فما بالك أن تحمي نظاماً كالنظام السوري الذي يعيش على الإنعاش الاصطناعي منذ الحركة التخريبية عام 1970. إن من يحمي المجتمعات والدول قواها الشعبية وتماسكها الاقتصادي والاجتماعي وليس ترسانتها النووية فما فائدة السلاح في بيت منهار داخلياً وآيل للسقوط؟

التعليقات (20)

    احمد الفهد

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    مقال في الصميم. لقد أبنت حقيقة الروس ولكن هل يعون؟ سيكون مآلهم الفشل وسيندمون بمشيئة الله بوركت د فيصل وجزاك الله عنا خيرا

    حسن ابكر

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    أكيد يستطيع بقوته وعتاده أن يدمر سوريا عن بكرة أبيها ولكن لا يستطيع أن يعيد الأمور إلى ما كان إليه ولن تستطيع أن تفعل بجيوشه الجرارة سيهزمون ولو طال العمد

    محب الوطن

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    والله لن تقدر توقف الثوره السوريه مهما امتلكت وحشدت لنا نا أصحاب حق ودين ثابت وعقيدة راسخه لن نخاف الطائرات والا البوارج البحريه قوتنا نستمدها من آلله ناصر المظلومين وهالك التكبرين وشكرا على نشرك للنص

    أحمد حمزه طلف .

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    السوفيات متل الحيوانات المفترسه ذات الطبيعه المتوحشه ﻻيهاجم إﻻ الضعفاء .فقط مثلا يغازل الغرب ويجامل اﻷمريكان ويتوحش على الفقراء الشعب السوري وعلى اﻷوكرانين واﻷزريين والجورجين وجنرالاتهم صدورهم ملئ باﻷوسمه الوهميه تماما مثل اﻷوسمه التي يحملها أسوأء وزير دفاع في العالم /مصطفى طلاس/الذي يعجر عن حملهم /أكبر بغل أو حمار/قولتن بالعاميه السوريه ما بعرفو 3+2قديش بساوي .أي شو بدك تستفيد من هيك دول أسود للشعب وإرانب للخارج المواطن بدو رغيف خبز شو بدو بالوسام أو شو نفع الوسام إذا هو جوعان .

    ammar

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    علي الشعوب ان تقاوم الظلم بكل ما تستطيع من قوه ولا تخشي بطش الظالم حتي لو كان معه حليف مثل الجبروت الروسي ونفاق مثل القوه البيضاء

    عبد الله

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    صدقت أستاذ كلاهما بيت آيل للسقوط روسيا كما النظام الفاشي القابع في سفح قاسيون، ولذلك ترى مشيخات الخليج ترغي وتزبد في العلن بينما هي تستثمر مليارات الأمة في صفقات مع الدب إياه، صفقات ظاهرها عسكرية وباطنها حقن للمال في اقتصاده المافيوي لمنع الدب من السقوط، او سمها اتاوة او ماشئت. وعلى الطرف الآخر تدعي وقوفها مع اشعب السوري المنكوب وهي اكبر أسباب تعثر ثورته حتى اليوم وذلك بسياساتها الانانية او على اقل تقدير قصيرة النظر والفاشلة، اذا شئت تسمية هكذا تعفيس سياسة

    واقعي

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    أنا لست مع الأسد ولا مع الإتحاد السوفييتي ولا مع روسيا لأن ما يعانية السوريون من سياساتهم فاقت التصور والخيال وكل إمكانيات التحمل، التغيير الذي حصل في أوروبا الشرقية وأولها الإتحاد السوفييتي كانت بسبب الفشل في تحسين حالة البلاد والعباد وتطبيق التساوي الإحتماعي المنشود وفقدان الحريات الديمقراطية وهذا ما أسقط النظام الإشتراكي، فالأسلحة النووية هي لدرء الخطر النووي عن الشعوب وليس للمحافظة على الأنظمة التي تسقط من الداخل وليس من الخارج وخاصة في الدول العظمى كروسيا وأمريكا، الواقعية مطلوبة يا دكتور!

    ماجد

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    كانت الدول الاشتراكية عبء على روسيا وليس العكس لم ينخرط الروس في عملية الثورة الديمقراطية كأوروبا التي عانت لسنوات لتنجز الديمقراطية. ولكن بفضل الصناعة الحربية فان روسيا حرة و لا تستجيب لاملآت خارجية كجميع البلدان , وبفضل السلاح حافظت على اراضيها وثرواتها. حتى ولو ما زالت قيصرية.

    نبذة عن سوريا 2/3

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    مثل صدام حسين وجميعهم في مهب الريح لتبقى دمشق التي سمعنا موسكو فيما قبل تقول "كل شئ باستثناء دمشق" .. وسمعنا طهران تعنون المحافظة 35 الخ، وخسارتها يعني تطاير الملالي من طهران ذاتها وهذا كلام صحيح بل وأجزم أن موسكو ورأس بوتين تحديدا لن يكون هو الآخر بمنأى عن القطع أيضاً. وتتدرج الدراسة الى هيكلة السوفييت الى الصمود والتصدي الذي أصبح "المماتعة والمقاولة" بعد سقوط حائط برلين كما صارت موسكوا من أغلى العواصم بعد أن كانت تشرى بسيجارة مارلبورو .. // ..

    نبذة عن سوريا 3/3 ... والشعب العربي السوري أختار الكرامـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    ونجد أن هذه الدول في تركيبتها العضوية هي أقرب الى زريبة منها الى دولة بالمعنى القانوني، وقد شبه هذه المقولة إدوارد شفارندزة وزير خارجية السوفييت في كتابه المستقبل يُكتب حرية، ولذا يُمكن القول أن الشعب العربي السوري وقد يكون هذا الكلام سابقا لآوانه الآن عندما سيهزم هذه "الزريبة" فإنه سيطر للتاريخ قيم ليس لها مثيل واقعاً، وسيطلي جدران الدولة الحديثة : هذا الامر المخيف حقاً لكيان الزريبة المندرجة سيما وأن يعتلي الانسان ساحة الكرامة، كرامته البشرية والتاريخ يحكي لنا "عسر" المهمة.

    المعتصم بالله

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    مشكور دكتور فيصل على هاذه الرسالة عسى أن يفهم الروس شو سبب فشلهم وخسارتهم بس يبقى الدب دب

    خالد الهميش

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    الثور الروسي يسعى لتدمير نفسه وستثبت لكم الايام انهيارها انهيارا مدويا. اشكرك د/ فيصل مقال اكثر من رائع

    ناصر ممد

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    السياسة الروسية أثبتت على الدوام أنها فاشلة في أفغانستان والشيشان واوكرانيا والتشيك وكوبا وفي كل مكان وضعت يدها فيه وسوف يكون هذا حالها في سورية أيضا بإذن الله

    محمد العجيلي

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    لم يعد مجالا للشك بان بوتين اغبى رجل سياسة في العالم .كان يعتقد ان القوه المطه ستعيد الشعب السوري الى القمقم . ومن غبائه المفرط انه لو أتخذ موقفا لصالح الشعب السوري منذ البدايه وخلع الأسد وهو قادر على هذا ووضع اخر يرضى هو عنه لوافق الشعب السوري بأجمعه ولاصبح بوتين هو المخلص ولزادت شعبية الروس في سوريه وبقيت مصالحهم دون أي مس .لكن ضيق افق سياسته الغبيه جعلته يتمسك بذيل الكلب بشار .وهو لابد زائل طال الزمن أو قصر ومع زوال الأسد ستزول كل مصالح روسيا من سوريه .لن يقبل السوريون بموطء قدم للروس في سوري

    عادل

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    شكرا لك استاذ ما تركت لنا شيء نضيفه.

    ضيف الله خالد السودان

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    حقيقة يابوتن سلاح الجوي والنووي لم يفيد الإتحاد السوفيتي فلمازا سوريا ارحل ياخ وسوف ترحل مهما طال الزمن او قصر

    نقاط على الحروف

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    بدأت الثورة السورية بوجه شبابي ناصع وفكر تحرري رائع لكن خربتها المعارضة الرجعية التي أقصت الضباط والعساكر الأحرار عن الجيش السوري الحر ونشرت العشرات من المنطمات الطائفية المقاتلة، بحيث لا تجد منظمة لا تحمل إسما طائفيا وعناصرها من ذوي اللحى الطويلة والشوارب الحليقة ومن أبرزهن داعش والنصرة وجيش الإسلام والجبهة الإسلامية وجيش الفتح والكثيرات غيرهن، فبهذا الفكر والممارسات الغير مألوفة والغير مناسبة للعصر لن تحصلوا على مساعدة لا روسيا ولا أمريكا، إرفعوا شعارات الديمقراطية لا التخويف وسترونهم بقربكم!

    مجتبى

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    لم يحموا أنفسهم ولن يصمدوا طويلا في وقفتهم مع النظام السوري الفاشل النصر قادم يادكتور فيصل وان طال ..شكرا على المقال الرائع..

    مكره أخاك لا بطل

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    العرب من أكثر الشعوب نكرانا للجميل فلضعف الضمير والوجدان يسرعون في إطلاق الأحكام على روسيا أو أمريكا أو الغرب، فالمنطلقات العاطفية وتغليبها على المنطلقات المنطقية وفشل العرب على المستوى الحضاري والعلمي والتكنولوجي الحديث وسيطرة الأنطمة اللاديمقراطية والمطبيلين للديكتاتوريات والإرهاب على عقلية العرب جعلتهم يعيشون في أجواء متخلفة وفوضوية وعنفية وعدائية مع العالم، فالمواقف الروسية والأمريكية والغربية عموما أنقذت العرب من عدة مواقف متهورة لكن من ينكر التاريخ ويزوره بشكل أعمى ينكر فضائل الآخرين عليه

    محمود بلجيكا

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر إذا كان الغراب دليل قوم يدلهم على جيف الكلاب
20

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات