مركزٌ سوري للسلامة المهنيَّة الصحفية!

مركزٌ سوري للسلامة المهنيَّة الصحفية!
أمام الحالة المأساوية التي يعيشها الصحفيون في سوريا، سواء ما يتعلَّق بالحالة المهنية و إحتياجاتها أو من ناحية عدم وجود غطاء قانوني لهم بشكل نقابي يحميهِم، فقد تطوَعَت العديد من المؤسسات العالمية لتُقدِّم الدعم للصحفيين السوريين، انتهجت تلك المؤسسات خطَّاً يعتمد على الترشيحات الشخصية تارةً و طوراً آخر بحسب احتياجات السوق المهني للتدريب و أنواعه، و نظراً لتعقيدات الملف العسكري و دخولِهِ في تفاصيل الحياة اليومية فإن الحاجة تتزايد لتطوير أساليب العمل الصحفي في سوريا، و المقصود هنا "الصحفيون المحترفون و الناشطون المواطنون" على حدٍّ سواء.

مصطلح " السلامة المهنية" يعدُّ جديداً إلى حدِّ ما في المنطقة العربية، فهذا النوع من التدريبات خاص بالمناطق التي تشهد نزاعات تُشكِّلُ خطراً على حياة الصحفي أو تهدِّد أمنَه الشخصي، و لتفكيك هذا التركيب المهني في اللعبة الصحفية فإن مفهوم السلامة المهنية يقومُ على بعض الإجراءات التي يجب على الصحفي اتِّباعُها في حالاتٍ مختلفة، ربما تكون الإجراءات بسيطة و يفعلها الصحفي بشكل غريزي أو طبيعي و لكنها تصرُّفاتٌ مبنيةٌ على علمٍ قائم بحد ذاته.

السلامة المهنية تسير على خطَّين أساسيَّين: الأول شخصي و الآخر جمعي، الشخصي ينقسِم إلى نقطتَين أيضاً: الأولى تعتمدُ على المعرفة التراكمية التي يجمعها الصحفي عن الأخطار من خلال خبرته في التغطيات الميدانية، و الثانية تقومُ على المعدّات التي يستخدمها، أما الخط الجمعي فيقوم على آليةٍ تعتمد على معايير معيَّنة لا تقبلُ القسمةَ على اثنين فيما يتعلَّق بموضوع الإشتغال الجماعي و التنسيق في الميدان أو في المكتب قبل و خلال و بعد انتهاء مهمة التغطية.

سوريَّاً هناك اليوم عجزٌ حقيقي في فكرة الانضباط بقواعد السلامة المهنية و هذا يعودُ لعدة أسباب أبرزها عدمُ وجود هيكل نقابي حقيقي للصحفيين يؤمِّن لهم هذه التدريبات و ثانياً هو خطورة تواجد المؤسسات العالمية في الداخل السوري لإجراء البرامج التدريبية خلال مدةٍ تتراوح بين ثلاثة أسابيع و شهر كامل، من جانب آخر تمثِّل الحاجة إلى مدَّربين صحفيين محترفين فيما يتعلق بالسلامة المهنية حاجزاً حقيقياً امام المؤسسات الإعلامية ففي ظل غياب العنصر السوري عن مقاعد المدربين – يوجد مدرِّب سوري واحد فقط ناطق بالعربية- فإن المؤسسات العالمية تعتمد على مدربين أجانب في إنجاز تلك البرامج الخاصة و هنا تبرز إشكالية اللغة كعائق في التواصل بين كل الأطراف.

فكرة السلامة المهنية في حدِّ ذاتها – بمعاييرها العالمية- لا تنطبِقُ بشكل حرفي على الواقع السوري لذا من الواجب علينا الإشتغال على انجاز المعايير السورية الخالصة و الخاصة بالجغرافية و بواقع مناطق الصراع المسلّح، فالحالة هنا ليست حربَ عصابات أو شوارع و ليست صراعاً بين طرَفَين على مناطق النفوذ، إنها معركةُ وجود بين طرَفين، يمارس النظام الحاكم من خلالها استراتيجيَّتَهُ سواءً في القتل غير المتناهي أو من خلال عمليات التهجير التي تقوم على معايير تناسب بقاءه و استمرارَه.

مكان الصحفيين في هذه المعادلة قائمٌ على فكرةِ التخندُق في الصف- حتى لو كان أجنبياً- فالصحفي الذي يتعامل مع صفوف الثورة يعتبرهُ النظام عدوَّاً حتى لو يكن سورياً و العكس صحيح نسبياً، و في هذه المنظومة يُصبِحُ الصحفيُّ دون إرادتِهِ طرفاً في الصراع، و لأن أغلب المشتغلين في الحقل الإعلامي لا يملكون خبرة عسكرية أو آلية واضحة للتعامل مع الإشتباكات المسلحة أو قصف الطائرات فإنَّ الحاجة إلى برامج تدريبية تغدو أكثر إلحاحاً من أيِّ وقتٍ مضى.

منظومة العمل الصحفي تقوم على عدّة أُسس، باتت السلامة المهنية احد أركانها مؤخراً نظراً للحاجة لها و لممارستها بأساليب صحيحة تؤدي في نهاية المطاف إلى إلمام الصحفي أو الناشط بدوائر عديدة تساعده في إنقاذ نفسه و فريقِه من الموت أو الإعتقال أو الإختطاف، فالعملية التدريبية تمر في مراحل عديدة تبدأ من آلية التخطيط و دراسة المكان جغرافياً و تاريخياً و طريقة التنسيق لإنجاز المهمة و إمكانية تنفيذها بنجاح فضلاً عن التعامل مع الخاطفين و تعريف الصحفيين بأساليب التعامل مع الخاطفين خلال مرحلة التفاوض معهم. و في ظل تصاعد وتيرة العنف في المناطق السورية فإن الحاجة إلى إنتاج برامج تدريبية خاصة أو عامة تقوم بتطوير المعارف العالمية فيما يتعلَّق بأخطار الحروب و الاستراتيجيات الشخصية للصحفي للتعامل مع الأسلحة المختلفة و أخطارها فإن السؤال يطرح نفسه لماذا لا تشتغل المؤسسات السورية على إنشاء مركز خاص بالسلامة المهنية يلعبُ دورهُ المحلي و العالمي في هذه اللحظة الهامة التي يشكِّل فيها الملف السوري ورقةً في أي مفاوضات تحدُث بين طَرَفَين!.

مدرّب دولي معتمد من الإتحاد الدولي للصحفيين

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات