أزمة منتصف الحلم

أزمة منتصف الحلم
"هيه! لقد أصبحتُ كبيراً على كلّ شيء" .

أستمرُّ بترديد ذلك مِراراً في مواضع عِدّة، فيضجُّ الحاضِرون بالضّحك بمبالغة،

"ولكنّك تبدو يافعاً جدّاً على قول هذا" .

أكتفي بِرسمِ تعابيرَ الصدمةِ على وجهي، حقّاً لقد أصبحتُ غريبَ الأطوارِ، يلازمني يأسٌ من سنواتٍ ثلاثٍ ضاعت دون أن أدري أينَ وكيف، وخوفٌ مَرضيٌّ من أن أهرم "جيرنتوفوبيا" ..

غيرة لا أكثر

حسناً حسناً، قد يكونُ الأمرُ برمّتهِ

يجسّدُ نوعاً من الغيرةِ أو ما إلى ذلك، فعلى سبيل المثال:

برعَ أخي خلال السنواتِ الخمسِ الماضية بأشياءَ عِدّة، فهو الآن في سَنَتِه الثالثة في الجامعة، يرقصُ البريك جيداً ويجيدُ بعضَ الجمباز والباليه وهو لاعبُ باركور جيد أيضاً؛

من جهةٍ أُخرى، أصبحَ مؤخراً مدرباً -ومتدرباً- في مجال التنميةِ وتطويرِ الذات و .... إلخ، وقد حازَ على دبلومٍ لا أدري كنههُ من مركزِ تدريبٍ عالمي، أضف إلى ذلك أنّه يصغُرني بثلاثةِ أعوام .

بينما أنا هنا، لستُ أمثل إلا أخرقاً بعُمر الثالثةِ والعشرين ووجهٍ طفوليٍ وأحلامٍ خرقاء -أكثر منه- قد تكون الشيء الوحيدَ الذي استطعتُ الاحتفاظ بهِ حتى الآن،

-أوه، أنا أغارُ من أخي- .

كما أن زُملاء مدرستي الثانويةِ تجاوزوني بمراحل، وأنا مستمرٌ بندبِ حظّي وبالسّفر .

مهلاً، هل باتَ الأمرُ هكذا حقاً!

"مرحباً،

أنا عمار وقد أصبحتُ كبيراً فجأةً على كلّ شيء" .

بداية

لأكونَ واقعيّاً، بعيداً عن كلّ العواطفِ والتّبريراتِ الدراميةِ المُستهلكة،

إثباتُ الذات، كان السبب الأهمّ والأكثر حساسيّةً وتأثيراً على جيل الشباب في سوريا، ليبدأ انتفاضتهُ عن ذاتهِ وحُكمِ الأهلِ وأحكامهم .

"أنا لستُ بهذا الفشل، لو ترى!" .

هكذا كان لسانُ حالِ معظمهم بينما لسانُ جسدهم يهتُف بشيءٍ آخر، كان للحريةِ طعمٌ مختلفٌ في لسانه، للكرامةِ ملمسٌ جديدٌ على بشرته .

حقاً، لم نكن نريدُ إلا أن نرى صوتنا لأوّل مرة .

أوبس! إنّني أجيدُ الصُراخَ بشكلٍ جيد، فلنصرخ إذن بأي شيءٍ طالما استعدتُ صوتي الذي لم أكن أجيدُ استخدامه .

لافتات

حملَ كومةَ أحلامهِ المبعثرةَ بين فناجين القهوةِ، وأعقاب السجائرِ، وأُسطواناتِ الموسيقى، نفضَ الغبارَ عنها وهرولَ للمظاهرةِ التالية، متلهّفاً لتكرارِ التّجربةِ من جديد، وبكلّ شغفِ الدُّنيا ودهشتها رفعَ أحلامه،ُ لتُقابلَ رصاصَ البنادق والقنابلَ المُسيلةَ للدموع .

حانت منهُ التفاتة، كلّ متظاهرٍ منهم رفعَ لافتةً بأحلامهِ مع صورةٍ مُستقبليةٍ له، مترافقةً مع غصنِ زيتونٍ أو وردة .

ولم تثقبُ الرصاصةَ إلا بضعَ ورداتٍ، وزيتونة .

فوضى

أرادَ واحدنا خلالَ هذي الفترةِ إيجادَ نفسهِ لا أكثر،

أرادَ فقط أن "يكون"، بغضّ النظرِ عن "ماذا"، إلا أنّ التواجدَ بحدّ ذاته، أن تكون شيئاً ما، أيّ شيء،

يُعدُّ حلماً جيداً في بلدٍ لا أحلامَ فيها، إلا تحتَ الرقابة .

أيّ حلمٍ سيبدو جيداً، بعيداً عن نظرةِ الأهلِ والمجتمعِ الدّونية لجيلِ الشباب، بعيداً عن الدُّستور الذي لا يُطبّق إلا على الضعيف، وبعيداً عن مدارسِنا ودروسِ القوميةِ والجُغرافيا واتفاقيةِ سايكس بيكو .

إلا أنّ الطريقَ أضحى، زحفاً، نحو السماءِ أو المعتقلِ أو المنفى، فاستفتِ قلبكَ بأقلّ المنافي مرارة .

نهاية

اخترتُ منفايَ كما الجميع -بعدَ أن خبرتُ المنافي جميعها واستقررتُ على أحدها-، إلا أنّني حافظتُ على حُلمي مع الأقليّة، وقرّرتُ أن أُحققه أو أموتَ مُحاولاً .

عليكَ أن ...

ناضل، حاولِ الصُمودَ وأحلامك رغمَ كلّ شيء، رغمَ ضغطِ المُجتمع وتثبيطه ورَغم تعقيداتِ الدُول العربية منها أم التُركية، روتين العملِ وأوقات الدوامِ الطويلةِ وتوقعاتِ الجميعِ منك،

حواجز الأمنِ والثّوارِ وحرسِ الحُدود،

الأسلاكُ الشائكةُ وقاطعي التذاكرِ والنّازيين، ورَغم تأثيرِ الزمنِ الذي يقتلُ في أنفُسنا كلّ شغف،

حطّم القاعدةَ، وتصرف بطبيعيةٍ في ظروفٍ لا طبيعية، تفوق بعنادكَ على ثور ابن أودين نفسه .

"‏ومهما حصل،

عليكَ أن تُدركَ بأنّ حُلمكَ هو جزءٌ منك .

إن استطعتَ التّخلي عن يدكَ أو عينك، تخلّص منهُ وتخلّ عنهُ دونَ انتظار، و إن لا فلا ." ...

التعليقات (1)

    my own

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    ذهب. قلم جميل و تصدي راءع لعالم تتبراء منه العقلانية واستحال معه التطبيع والحرب
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات