جون كيري واللعب بالبيضة والحجر!

جون كيري واللعب بالبيضة والحجر!
لا يشبه تصريح وزير الخارجية الأمريكية الذي حمّل يوم الأمس النظام والمعارضة على حد سواء مسؤولية الفوضى الجارية حالياً في سوريا، سوى تلك المجازفات التي يقوم بها من يلعب بالبيضة والحجر، تلك اللعبة التي تبقى محفوفة بمخاطرة فقدان البيضة وتحطمها، بتجاورها في الحركات الخطيرة مع الحجر الذي لن يصيبه أي أذى.

على المستوى الظاهر في التصريح، هناك مساواة بين الدورين، ومعادلة بين فعالية النظام وفعالية المعارضة، رغم أن الوقائع التي يدينها كيري ذاته تقول بأن النظام قام بعملية قصف مرعبة لمراكز طبية أسفرت عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى، بينما كانت المعارضة السياسية تطلب طيلة الأيام السابقة تدخل المجتمع الدولي لحماية مدينة حلب، من الهجوم الذي يستهدف المدنيين.

وفي الباطن هناك نزوع واضح لدى السيد كيري لممارسة دور القاضي، الذي يجرم المعتدي والمعتدى عليه، بذات الجريمة التي يسميها "الفوضى"..!

حال الوزير الأمريكي الذي يسعى إلى تثبيت الهدنة، يبدو قريباً جداً في هذه اللحظة من حال وزير الخارجية الروسي، الذي ترى وزارته أن الهجوم على حلب هو هجوم على الإرهاب، ولهذا فإنها ترفض الطلب من النظام إيقاف هجومه، وبالعودة الزمنية لعدة أيام إلى الخلف، يبرز في السياق تصريح الخارجية الأمريكية الذي طلب من روسيا استيعاب النظام، الأمر الذي لم تقم به مطلقاً، بل إنها قامت بعكسه حين تسرب عبر الإعلام الموالي للنظام أنها أعادت مستوى التنسيق العملياتي بينها وبين جيشه إلى ما كان عليه الحال قبل الهدنة والانسحاب المزعوم من سوريا.

وفي النتيجة لكل ما سبق، يعود كيري إلى جنيف، ليمارس التعمية على المجازر المستمرة بحق المدنيين منذ عشرة أيام، عبر إلقاء المسؤولية على الطرفين..!

بماذا يذكر الدور الجديد لجون كيري؟ إنه ببساطة يذهب بنا إلى ذات الآلية التي اعتمدها الروس في تقييم الموقف رسمياً في سوريا، فهم لم يتورعوا عن تسمية جميع من حمل السلاح خارج نظام بشار الأسد بالإرهابيين. ورغم وجود تصنيف دولي للمنظمات المسلحة على الأرض السورية، فإن ثقل ضرباتهم العسكرية توجه ضد الفصائل المعتدلة، والجيش الحر، وكأنهم كانوا يعملون على خلق إجابة على سؤال قديم طرحه لافروف ذاته في وقت ما حين طلب أن يدله أحد على الجيش الحر..!

هنا مع كيري ننتقل من مرحلة مساواة الفصائل الإسلامية المعتدلة والجيش الحر بداعش والنصرة، إلى مساواة المعارضة السياسية والعسكرية (حيث لم يفرق كيري بينهما في تصريحه)، مع النظام الذي ما برحت طائرات جيشه بالشراكة مع الحليف الروسي، وقواته بالشراكة مع الميليشيات الطائفية المتحالفة معه تقوم بحرق الأخضر واليابس على الأرض.

أي معنى لتصريح كيري؟ تفسير هذا النزوع نحو التضليل في قراءة أدوار الفاعلين على الأرض، وجعل الجميع على قدم المساواة في استباحة دم السوريين، لا يمكن أن يكتمل دون النظر إلى ما يماثله على الإعلام العالمي طيلة الأيام السابقة، فقد كان من الواضح أن الرواية التي تسعى وسائل إعلام النظام ومعها كل الميديا المساندة لها ، والكثير من الوسائل الإعلامية الغربية، تقول: بأن المعارضة المسلحة في حلب هي التي تقوم بقصف المدنيين!.

 وقد بدا هذا جلياً في التقارير المزورة التي قدمتها  قناة روسيا اليوم، وتورطت بها الـ BBC، قبل أن تعود الأخيرة لتعتذر عن خطأ في صور أحد أخبارها، مقابل الصمت أو التقليل من حجم هجوم قوات النظام التي بدأت بالتصعيد العنيف منذ فجرالـ 22 من شهر نيسان/ أبريل الفائت، بعد قرار الهيئة العليا للمفاوضات بالانسحاب من جنيف، الأمر الذي استدعى قيام الفصائل المقاتلة بالرد من خلال توجيه القذائف محلية الصنع صوب الجزء الذي تسيطر عليه قوات النظام.

الوقوف على دم السوريين الذين سقطوا في قصف النظام، وفي قصف الفصائل، هو استغلال للنتائج، دون النظر في الأسباب، وهو يضفي على الراهن ملامح الماضي المستمر حتى اللحظة، إذ طالما تم تجاهل استخدام النظام لكل ما يمتلك من القوة ضد المدنيين، أو إدانته برقيق الكلام، بينما تم التركيز بالمقابل على الفصائل التي سعت إلى تملك قوة رادعة وبما يكفل حماية المدنيين الذي ظلوا طيلة السنوات السابقة الهدف الأبرز لعمليات النظام.

وضمن هذا الاحتواء الذي تفرضه فكرة أن الطرفين  يمارسان القتل، بذات المنحى والأهداف، يصبح من الممكن تسويق آليات ضغط متساوية ظاهرياً عليهما ، بينما تتفاوت في الحجم على أرض الواقع، إذ يكفي احتواء النظام لكي يوقف هجماته الجوية، وفي المقابل  يصبح المطلوب من المعارضة كثمن لهذا الاحتواء أن تقبل بالعودة إلى "جادة الصواب" بحسب التوصيف الروسي، أي إلى القبول بما قررته الدولتان من مسار الحل.

لنلاحظ هنا أن أجندة المفاوضات التي لم يلتزم بها النظام كانت تبنى على مناقشة آليات انتقال السلطة، وحين تبين عدم جديته فيها قررت المعارضة الانسحاب، فتم إنهاء الهدنة عملياً، لتصبح المقاربة على الشكل التالي: المفاوضات مقابل الهدنة، والاستمرار ضمن الشكل الحالي بالتفاوض يقابله التوقف عن قتل السوريين عبر احتواء النظام، وهكذا..، ومن أجل أن يتم تحريك المسار لابد من المسارعة لاتهام الطرفين بالتسبب بالفوضى..!

كيري اللاعب بالبيضة والحجر، يرمي هنا خبط عشواء بالمعارضة السياسية التي لن تغامر بالتخلي عن ثوابتها، في ظل هجمة دموية تريد أن تجبرها على القبول بما يقرره النظام وحلفاؤه، في حين أن الإرادة الدولية أجمعت على تشكيل حائط صد حجري لحمايته!، وحين ينهار المسار السياسي بشكل كامل، سيكون من السهل وضع الطرفين في قفص الاتهام، وتخييرهما بين القبول بما قسم لهما، أو تجريمهما سوية، مع أفضلية لصالح النظام تمنحه حكم البراءة، في ظل شرعيته التي لم تسحب منه رغم كل ما ارتكبه من جرائم، وفي ظل قدرة داعميه؛ إن كان في ساحات القتال، أو في السياسة، بعد سيطرتهم الواضحة على الإرادة الأمريكية في مرحلة ما قبل البيات الانتخابي.

التعليقات (1)

    عمار فستقي

    ·منذ 8 سنوات أسبوع
    الامور اصبحت واضحه وضوح الشمس في رائعة النهار ... كلهم مع الاسد !!... ولا نلوم الغرب على موقفهم فهذا السفاح طفلهم المدلل الذي خدم هو وابوه الخائن الكيان الصهيوني على مدار خمسين سنه ... اذا نظرت الى العالم العربي من الخليج الى المحيط تجد دوله واحده تقف موقفا واحدا داعما للشعب السوري المقهور على مستوى القياده والشعب وهي بلاد الحرمين والى حد ما قطر والشعوب الخليجيه بشكل عام دعمت ولا زالت الشعب السوري وثورته ولكن باقي الدول العربيه مع الاسف موقفهم يكاد يصل الى درجة الجحود والنكران ... يتبع
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات