مسرحيّة مفاوضات جنيف ترقى إلى جريمة ضدّ الإنسانيّة

مسرحيّة مفاوضات جنيف ترقى إلى جريمة ضدّ الإنسانيّة
إذا صدقت التسريبات الصحفيّة و تصريحات المسؤولين السياسيّين و العسكريّين عن أنّ الإدارة الأمريكيّة قد منعت كل الدول العربيّة و الإقليميّة من تزويد المعارضة السوريّة بأي شكل من أشكال السلاح و الذخيرة بإعتبار أنّ هناك عمليّة سياسيّة شاملة متّفق على كل تفاصيلها قيد التنفيذ من خلال مفاوضات جنيف و الّتي تهدف لتحقيق تطلّعات الشعب السوري بالتغيير الشامل عبرفترة إنتقاليّة تنتهي بقيام نظام ديموقراطي , ثمّ إتّضح فيما بعد أنّ الموضوع ليس أكثر من مهلة جديدة لنظام الأسد المدعوم عسكريّا بسبعين ألف مقاتل إيراني و مقاتلين و طيران روسي لمواصلة جرائمه بحق الشعب السوري على أمل القضاء على الثورة، و كانت القصّة كلّها ليست أكثر من مؤامرة لإطلاق يد نظام الأسد و خنق الثورة عبر إيقاف دعمها بنفس الوقت , فإنّ كل جريمة حدثت خلال هذه الفترة ستكون جريمة حرب موصوفة و جريمة ضد الإنسانيّة إشترك فيها كل القائمين على هذه المفاوضات من الرئيس الروسي بوتين و وزير خارجيّته لافروف و مبعوثه لسوريا بوغدانوف، للرئيس الأميركي أوباما و وزير خارجيّته كيري , و كذلك المبعوث الدولي ديميستورا و مستشاريه، و كل من كان على إطّلاع على هذه المؤامرة في حال تأكّد حدوثها , و حتّى اليوم كل المؤشّرات تدل على ذلك فبعد جولتين من المفاوضات وسّعت قوّات الأسد هجماتها على كامل الأراضي السوريّة و خاصّة على مدينة حلب، و إستهدفت بالتحديد مراكز الدفاع المدني و المستشفيات و الأسواق و أوقعت مئات القتلى شاهدالعالم كلّه صور النساء و الأطفال و الأطبّاء و رجال الدفاع المدني الشهداء و هم يودّعون الحياة بالتصوير البطيئ أمام الكاميرات , و كما جرت العادة خلال السنوات الخمس الماضية فقد شعر بان كيمون بالقلق من "تصاعد العنف" في حلب , و أدانت الخارجيّة الأمريكيّة "بأشدّ العبارات" الغارات على حلب , و كنتيجة لغارات نظام الأسد على حلب فقد طالبت روسيا بتوسيع قائمة المنظّمات الإرهابيّة لتشمل مجموعات أخرى غير داعش و النصرة !!.هذه هي بإختصار ردات الفعل على كل هذه الجرائم , لم يحتجّ و لم يستقيل أي مسؤول في الأمم المتّحدة أو في منظمات حقوق الإنسان , لم تدعو أي دولة لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن فالأمور بخير لأنّه هناك مفاوضات   !!. و عمليّة سياسيّة تسير و أي خطوة من هذا النوع قد تهدّد هذه العمليّة السياسيّة. 

  

بداية الخطّة كانت إجتماع فيينا الّذي عقد في 14 تشرين الثاني عام 2015 و الّذي شاركت فيه كل الدول المهتمّة و المشاركة في الموضوع السوري، و تمّ فيه الإتّفاق على تشكيل سلطة إنتقاليّة خلال ستّة أشهر و وضع دستور جديد و إجراء إنتخابات رئاسيّة و برلمانيّة خلال 18 شهر . و في هذا الوقت حسب المعلومات طلبت الإدارة الأمريكيّة وقف تزويد المعارضة السوريّة بالسلاح لدفعها للسير بالعمليّة السياسيّة , و كل المؤشّرات تدلّ على أنّ الحدود الأردنيّة قد تمّ إغلاقها بالكامل منذ تاريخه في الإتّجاهين بحيث لا يكفي منع إدخال قطعة سلاح أو ذخيرة واحدة بإتّجاه الداخل السوري بل حتّى لا يسمح للاجئين السوريين بالدخول للأردن مهما كان الوضع الإنساني و المعيشي و الصحّي صعبا ممّا يشكّل ضغطا إضافيّا على الفصائل العسكريّة في المنطقة الجنوبيّة، فشعبهم هناك ليس سوى رهينة بيد طيران و مدفعيّة و صواريخ نظام الأسد و لا مكان يلجأون إليه و لن يفعل العالم شيئا لإنقاذهم . أمّا في المنطقة الشماليّة فقد مارست الولايات المتّحدة كل ما تستطيعه من ضغوط على تركيّا لإغلاق الحدود بشكل تام تحت ذريعة قطع خط إمداد داعش , كما تمّ إطلاق النار على اللاجئين السوريين أثناء محاولتهم دخول تركيّا و أستشهد عدد منهم و إرتفع إلى عدد السوريين العالقين على الحدود التركيّة إلى عشرات الآلاف , و بدأ النظام السوري و آلاف الإيرانيّين هجوما واسعا على حلب تحت تغطية الطيران الروسي بهدف إحتلال حلب , كما شنّ تنظيما داعش و الإتّحاد الديموقراطي الكردي الكثير من الهجمات على المناطق المحرّرة و خاصّة قرب الحدود التركيّة بهدف قطع كل خطوط الإمداد عن الجيش السوري الحرّ بحجّة أنّهم مرتدّين و صحوات عند داعش و بحجّة أنّهم متطرّفين إسلاميّين و أردوغانيّين عند ميليشيا ال PYD و الّتي تعتبر ركنا أساسيّا في المحور الروسي الإيراني . كل هذا يحدث أثناء ما يسمّى "وقف إطلاق النار" و إجتماعات و مفاوضات الحلّ السياسي !!؟؟ , و بعد كل جلسة يصرّح لافروف و كيري و ديميستورا عن إحراز تقدّم في المفاوضات و عن الدور الحاسم للتفاهم الروسي الأمريكي في إحراز كل هذه النجاحات الوهميّة في العمليّة السياسيّة . 

إذا كانت كل هذه المفاوضات مسرحيّة متّفق عليها فلا يمكن تصوّر جريمة تفوقها و خصوصا مع مئات الشهداء الّذين دفعوا حياتهم ثمناً خلالها , و هذا يفتح موضوعا على الحقوقيّين السوريّين إعطاؤه ما يستحق من إهتمام بعد خمس سنوات و مئات آلاف الشهداء و دمار البلد بشكل كامل، و هو كيفيّة ملاحقة المجرمين من عصابة الأسد فردا فردا و ما هي الطريقة لملاحقة من ساعدوا عصابة الأسد أمثال حسن نصر الله و نوري المالكي و خامنئي و روحاني و قادة الحرس الثوري و عبد اللهيان و بوتين و لافروف و بوغدانوف , و ما هو الوضع القانوني لمن كان بإستطاعتهم إيقاف هذه المجزرة و لم يفعلوا مثل الإدارة الأمريكيّة الحاليّة و الّتي لم تكتفي بعدم القيام بأي جهد حقيقي لإنقاذ الشعب السوري بل إنّها تولّت بكل حماس منع أي دولة أو جهة من تقديم دعم حقيقي و فعّال للشعب السوري، و غضّت النظر بالمقابل عن عشرات الآلاف من الميليشيات الأجنبيّة الّتي دخلت لسوريا لمساعدة عصابة الأسد في جرائمها , و إلا فتحت أي عنوان يمكن قبول وجود الحرس الثوري الإيراني في سوريا للمشاركة في قتل السوريّين في الوقت نفسه الّتي  ترفض فيه الإدارة الأمريكيّة بإصرار و لسنوات خمس كاملة إقامة منطقة آمنة للمدنيّين السوريّين رغم إلحاح كل حلفاء الولايات المتّحدة الأمريكيّة على ذلك، كان آخرهم ألمانيا المعروفة بمواقفها المعتدلة و الرصينة !! . و ما هو وضع منظمّة الأمم المتّحدة و أمينها العام و المبعوثين الدوليّين المتواطئين بالمحصّلة مع نظام الأسد , و كذلك ما هو وضع المعارضة المزيّفة العميلة للنظام السوري و كيف يمكن ملاحقتهم في المستقبل قانونيّا على الجرائم الّتي حدثت و تحدث في سوريا كأطراف مشاركة في التغطية على هذه الجرائم , و كذلك ما يسمّى "الإعلاميّين" التابعين للمحور الروسي الإيراني الّذين قاموا خلال هذه السنوات بالكذب و الترويج لروايات النظام عن المؤامرة الكونيّة و الكثير غيرهم . 

يجب أن يقوم كل سوري بما يستطيع حتّى نضمن محاسبة كل المسؤولين عن الهولوكوست السوري و من الممكن الإستفادة من التجارب المماثلة في التاريخ من النازيّة ليوغوسلافيا و غيرها , تحقيق العدالة هو المدخل الوحيد لسوريا المستقبل .

التعليقات (2)

    عبد الله

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    الحقيقة التي يجب ألا ننساها أو نتخلى عنها ، هي قول الكاتب :" ما هو وضع المعارضة المزيّفة العميلة للنظام السوري و كيف يمكن ملاحقتهم في المستقبل قانونيّا على الجرائم الّتي حدثت و تحدث في سوريا كأطراف مشاركة في التغطية على هذه الجرائم " .

    عبد

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    دعنا نكن واقعيبن...ماهو الحل للوضع السوري لنفرض جدلا ان بشار الاسد ذهب من الحكم هل تنتهي النزاعات المسلحة في سوريا بين فصائل السنة انفسهم من داعش والنصرةو...الخ او بين العلويين....او بين الاكراد...هل ستتحول سورية الى مئات الدول...بعدد الفصائل وبعدد شيوخ الدين الخليجيين اللذين يدعمونها ...وكذلك أئمة ايران.....الخ الطبخة وصلت لايدي اعداء هذا البلد على طبق من فضة...من قال ان بشار لوحده يستطيع فرض..الامر الواقع...لا والف لا ..وهاهو ضعيف واصبح العوبة بيد...اطراف عدة نتيجة موقف الضعف وكذلك المعارضة
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات