سائل جلي لـ"جرحانا"...وماعز لــ"قتلاهم"

سائل جلي لـ"جرحانا"...وماعز لــ"قتلاهم"
كان متوقعا أن يسرد في صولته القصيرة في جنيف عرضاً لانتهاكات نظام الأسد للهدنة الهشة أصلا، وكان حادا في خطابه، قاطعاً لجولة المفاوضات التي كانت قد بدأت قبل أيام من وصوله، رياض حجاب المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات، استفاض في شرح أسباب الهيئة لمقاطعة أو تعليق مشاركتها في مفاوضات جنيف، وكما بدا واضحا بأن العالم أو ما يعرف بالمجتمع الدولي خذل السوريين المنكوبين بالقتل والحصار والتشريد المستمر، خذلهم إذ لم يستطع تقديم مساعدات وعد بها إلى المدن المحاصرة رغم وعود تلقتها المعارضة من كل الأطراف القوية في منظومة العالم، جون كيري وزير الخارجية الأميركي وعد ولم يفِ أو لم يحاول وغيره والأوربيون وعدوا ولم يفوا أيضا بحسب ما قال رياض حجاب، بينما استطاعت خولة مطرة نائبة المبعوث الأممي للشؤون الإنسانية من الدخول وحيدة إلى داريا المحاصرة منذ قرابة 4 سنوات دون جرعة ماء أو حبة دواء وكأن المحاصرين يحتاجون فقط إلى حضن أممي دافئ يسمع شكواهم ويربت على أكتاف أمهات فقدن كل شيء بما في ذلك أطفالهن.

لكن والأمانة تقتضي أن نذكر محاسن موتى العالم كالمؤسسة المعروفة بالأمم المتحدة والتي نجحت بعد أن استجمعت قواها بإدخال مساعدات "إنسانية" إلى بعض المدن السورية المحاصرة، وكانت المساعدات مفيدة "جدا"، واهتم من أعدّ الحصص بكل التفاصيل لدرجة أن كلّ ما وصل المحاصرين الذي يحتاجون إلى كل شيء تقريبا هو عبارة عن سائل لجلي الأواني وبعض مواد التنظيف بينما سرقت قوات الأسد علب "السردين" والتونة" ومنعت الأدوية والمعدات الجراحية ومواد الإسعاف الأولي فقط، وكل ذلك على مرأى ومسمع الأمم المتحدة.

لم تستطع الأمم المتحدة تغيير الأمر أو تلافي تكراره، بل أمعنت قوات الأسد والمليشيات الشيعية التي تدير أغلب الحواجز التي تتولى حصار المدن، أمعنت في إذلال هيبة الأمم المتحدة كمؤسسة وهذا ما عرّاها تماما من كل الشعارات المتعلقة بعدم تسييس قضايا الإنسان وخاصة الإنسان المحتاج، وأصبحت كل الصفقات التي يعقدها الثوار مع إيران أو قوات الأسد مجدية أكثر من كل جهود الأمم المتحدة وأضحى جليا أن للميدان هيبته التي بها تفرض الشروط وتحصل المساعدات ويطلق سراح المعتقلين وتفك الحصارات.

العالم أصر في الحالة السورية على استخدام القضية بكل تفاصيلها لخدمة كل بازاراته المفتوحة وحول الملف لمادة في نزاعاته، وما زال يقدم للسوريين مالم يطلبونه ويقدم لهم ما لا يحتاجونه، فتقديم مواد التنظيف الرديئة للجرحى والمحاصرين لا يقل استهتارا وسوءا عن تقديم خطط وحلولا رديئة للمفاوضين في جنيف ومن يحمي بقاء الأسد هناك، ويسعى له وهو ذاته من يتلاعب بمآسي البشر المحاصرين ويحول نكبتهم لمادة ابتزاز، وهذه الحال تنطبق على اتفاقات اللجوء والمعاهدات التي وقعت من دماء السوريين وأتمت على وقع انقطاع أنفاسهم في البحار وهم يغرقون، لن يستطيع المجتمع الدولي تقديم أكثر مما قدم في  مضمار الحل لأنه لا يريد وببساطة أكثر لأن المأساة مازالت سلعة تباع وتشرى وورقة يُلعب بها.

هذا العالم يشبه الأسد حد التطابق في تعامله مع الملف السوري فالحال لا تختلف عن حال المؤيدين لنظام الأسد من السوريين الذين باعوا له ولعصابته وداعميه في طهران أو موسكو أنفسهم لقاء أن يظلوا خدما في قصره، وأوراق لعب لقضايا كبرى عالمية وإقليمية أكبر منهم ولن تعود عليهم (حتى وإن نجحت) بالفائدة لأنهم منديل استخدام فقط، منهم الطائفيون والمغيبون والمغلوبون على أمرهم والخائفون، والتائهون، ومنهم من ارتضى تأييد الأسد حباً، ومنهم أيضا من شاء أن يكون في صفه رغم وجود خيارات أخرى، وهؤلاء جميعا (يعلمون أو يعلمون) هم أيضا سلعة في سوق ابتزاز الأسد وإيران وروسيا للعالم، وورقة لعب ليس إلاّ؛ تربح حينا وتخسر أحيانا أخرى، وهم إن وصلت لهم المساعدات المنهوبة من قوت من يحاصرونهم فليسوا إلا وقودا لحرب الأسد للبقاء وقودا فقط لعجلة موت تدور وما إن يقتل أحدهم حتى يمعن الأسد في إذلال ذويه بماعز "عنزة" كبديل لقتيل..

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات