إرادة السوريين أم إرادة المؤامرة؟

إرادة السوريين أم إرادة المؤامرة؟
استبدال فكرة "إسقاط النظام" بأفكار أخرى، وطرحها على السوريين، من خلال اطلاق بالونات اختبار، ظل هو الشغل الشاغل للقوى الدولية طيلة السنوات السابقة. الجميع بما فيهم الروس يدركون بأن النظام الذي يحكم سوريا بات مهترئاً ويحتاج إلى تغيير، لكنهم لا يريدون له أن يتغير، ولا يريدون له أن يسقط، كذلك لا يرغبون برؤيته يغادر طوعاً، فهم لو كانوا يريدون ذلك فعلاً، لقاموا بفعل ما يجب فعله منذ البداية، كي يجنبوا الشعب السوري، وكذلك الإقليم كله، الويلات التي يشهدها حالياً بسبب وجوده، واستمرار سياسته.

كثيراً ما كان المحللون يتجنبون الحديث عن مؤامرة من نوع ما، اتفقت فيها الولايات المتحدة وروسيا، على أن يكون الوضع في سوريا على ما هو عليه حالياً، إذ لا يصح أبداً ضمن أي منهجية في التحليل افتراض اتفاق الجهتين المتنافرتين على هدف واحد، فهما تمضيان باتجاهين متعاكسين، لكن ورغم هذا يبدو أنهما تلتقيان في اللحظة الراهنة حول نقطة واحدة، ثابتة، هي منع سقوط النظام!

توجه المحللين نحو افتراض وجود مؤامرة على الشعب السوري قد لا يصبح مستغرباً طالما أن الوقائع تقول ما يقود إلى هذا الاعتقاد، وضمن تفاصيل هذه الوقائع يمكن التوقف أخيراً عند الوثيقة التي قدمها وفد النظام إلى ستيفان ديمستورا في الأيام السابقة، والتي وصفت بأنها هزيلة وغير مشجعة، إذ يبدو من خلال قراءة التفاصيل الواردة فيها أن من كتبها يعيش في عصر مختلف عن الزمن الذي تجري فيه هذه العملية، كما أن تصريحات الجعفري رئيس وفد النظام بأن "مصير بشار الأسد ليس جزءاً من المفاوضات مع المعارضة"، و"أن الحديث حول مقام الرئاسة كلام لا يستحق الرد عليه لأن هذا الموضوع ليس موضع نقاش ولم يرد في أي ورقة وليس جزءاً من أدبيات هذا الحوار"، تبدو ظاهرياً على أنها انفصام عن الواقع، وعماء حقيقي، لا يرى المصابون به العالم من حولهم، ولكن هل هي كذلك حقاً؟

وبالمقابل يستغرب ديمستورا كل هذا، وبدلاً من توجيه اتهام صريح للنظام يقول بأنه يعطل كل مسارات الحل، نرى كيف أن المبعوث الدولي، يقول بأن هذا التلكوء سيقود إلى انهيار للهدنة، وتعطل عملية توصيل المساعدات للمناطق المحاصرة.

لقد مر السوريون طيلة السنوات السابقة بحالات خذلان صعبة وقاسية، ودفعوا أثماناً عظيمة حتى بلغوا هذه العتبة، التي تمكنهم أن ينهوا الكارثة التي أوصلتهم لها سياسات النظام الاستبدادي، من خلال القرارات الدولية، وقد بذل جهد كبير من أجل أن يظهر النظام على حقيقته أمام العالم، فهو يرفض الحل السياسي، ويدفع بالسوريين إلى المقتلة، وها هو المبعوث الدولي ومن خلفه القوى الاقليمية والدولية، وبعد أن أبلغه الجعفري بأنه "من المبكر جداً مناقشة الانتقال السياسي"، يعلن عن قلقه وعن خطورة ما يجري على مجمل عملية التفاوض. كما سبق للمبعوث الدولي أن هدد بإعادة الملف إلى مجلس الأمن في حال لم يجر فيه التقدم المطلوب، وبحسب الأجندة المعلنة لوفد النظام فإن شيئاً لن يحدث، والأسد "خط أحمر"، كما قال وزير خارجيته وليد المعلم، كما أن الطيران الروسي سيكون حاضراً في أي وقت ضد أي طرف يقوم بخرق اتفاق الهدنة، والجميع يعلم هنا بأن هذا الطيران لن يتدخل ضد قوات النظام التي دأبت على خرق الاتفاق، بل سيتدخل ضد أي عمل عسكري تقوم به فصائل المعارضة المسلحة.

ولعل السؤال الذي يجب أن يحاول المحللون الإجابة عنه يقول: هل هناك أرض صلبة، راسخة وقوية يستند عليها النظام في كل ما يفعله حالياً؟

هل يراهن فعلاً على انسحاب المعارضة، واتهامها لاحقاً بأنها هي من أفشل عملية التفاوض؟ أم يراهن على الوقت كعادته، بإنتظار معجزة تصنعها مؤامراته، واختراقاته، والحلف المافيوزي الذي يدعمه؟

أم أنه متأكد بشكل عميق من أن القوتين الأساسيتين في تكوين قاطرة الحل (الولايات المتحدة وروسيا) لا تريدان رحيله، وأن الميوعة الدولية في التعاطي مع جرائمه وسياساته تعني بأن لديه الضوء الأخضر لفعل ما يريد في جنيف، كما كان الوضع على الأرض طيلة السنوات السابقة؟

بعض المحللين يؤكدون بأن المؤامرة الدولية على الشعب السوري واضحة، وقوامها مبادرة تليها مبادرة وحلول مقترحة بشكل تجريبي إلى ما لا نهاية، رغم أن حل القضية كلها مازال هو ذاته منذ خمس سنوات، لم ولن يتغير، وعنوانه رحيل النظام.

ويقولون كذلك بأن مفتاح الحل يبدأ من اسرائيل وينتهي بقرارها، وضمن هذا السياق يركزون على أهمية زيارة بنيامين نتنياهو القادمة إلى موسكو، والتي ستكون مسبوقة بزيارة لوزير الخارجية الأمريكي كيري في اليومين القادمين، سيما وأن كل هذا يأتي بعد سحب القوات الروسية، وبعد اعلان الفيدرالية في شمال سوريا، وضمن حالة المراوحة في المكان التي وصلت لها عملية التفاوض في جنيف.

القراءة الأولى لما سيجري في الأيام القادمة لا ترى أي بادرة لحلحلة الوضع، إذ لا أحد لديه النية لدفع المسار السياسي، وهذا يتضح مع عدم وجود أي ضغط حقيقي على النظام، في الوقت الراهن، حيث باتت القوى الإقليمية منشغلة بمشاكلها الداخلية، والقرار الأمريكي سيدخل في سبات ما قبل الإنتخابات، بينما تحاول روسيا من جديد تسويق بشار الأسد حيث برز تصريح أليكسي بورودافكين مندوب روسيا الدائم لدى مقر الأمم المتحدة في جنيف، الذي أشار فيه إلى أنه يتوجب على "مجموعة الرياض" المعارضة إضافة جملة من التعديلات على موقفها وأن تتحلى بقدر أعلى من الليونة!! حيث عليها التخلي عن شرطها المسبق المنادي بإزاحة الأسد عن منصبه. فهذا الموقف، لا يحمل على الثقة باستعدادها للتفاوض، بحسب كلام الدبلوماسي الروسي.

وبينما يراهن البعض بسذاجة على حدوث انقلاب عسكري في دمشق!، بعد الأخبار عن صراع مزعوم بين رأس النظام وشقيقه ماهر، يبقى الخيار الواقعي هو قرار السوريين الذين عادوا ليخرجوا في مظاهراتهم، رغم كل الموانع التي تواجههم، وهم يعرفون بأن الحل الذي يلتف العالم حوله كي لا يراه، يقول وببساطة: الشعب يريد اسقاط النظام.

التعليقات (2)

    سامي الصوفي

    ·منذ 8 سنوات شهر
    سلمت يداك يا علي.

    مالك

    ·منذ 8 سنوات شهر
    سيدى الكريم نعلم ان المؤامرة من اسرائيل ونعلم ان اسرائيل تتحكم بسياسة حكومات العا لم الغربى والعربى لا تنسى ماهتفنا به مالنا غيرك يا الله 0
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات