لماذا تخافون النساء !

 روت لي صديقتي في زمن الدراسة الأول في الثمانينيات حين كنت أعيش في الخليج رواية لا مصدر واضح لها مفادها أن الأزواج في لبنان كانوا يلهون في السهرات بنسائهم فكانوا يضعون مفاتيح منازلهم في وعاء وتدور القرعة ومن يسحب المفتاح ينال زوجةصاحب المفتاح وهكذا.

كدت أن أصدق الرواية التي تنسجم مع كيف كان يجري تصوير نساء بلدي ورجاله أيضاً، في تلك الأيام كان شائعا تغذية الخيال العام تجاه لبنان على سبيل المثال لا الحصر بحكايات وخيالات مريضة قوامها أن بلد متفلت من كل عقال حتى أن هناك من كان يؤمن أن تحرر اللبنانيين جلب غضباً إلهياً تجسد بالحرب اللبنانية.

تلك الحكايات الصغيرة كان يجري تداولها همسا ولا يعلن عنها سوى في دوائر ضيقة محددة. هكذا كان دأب الجماعات في تغذية الموقف من جماعات أخرى أي عبر الثرثرة واللغو دون كثير تفكر. 

بعد كل هذه السنوات تدفعني تلك الذكرى إلى الضحك مع تكرار سماعي لنفس الرواية ولكن عن نساء دول وفئات أخرى، والسذاجة التي حملتها تلك الخرافة والتي كان يجري تعميمها على نحو هذياني بأشكال عديدة تتلخص في تعميم نظرة معينة تجاه نساءطرف آخر فيصبح النيل من ذاك الطرف عبر الخاصرة الأسهل أي سمعة نسائه.

وبانتقال سريع من تلك الحقبة إلى زمن العنف الأعمى والكراهية المعلنة التي نعيشها في السنوات الأخيرة يظهر لنا كم أن مرحلة مابعد الثورات كشفت ما كان كامنا من انحطاط وبذاءة وعفن فيبلادنا، فاليوم لم يعد الآخر سوى تسمية لتحديد هوية من سنشتم وندين ونهجي خصوصاً مع استهداف الجهة الأكثر هشاشة، أعني النساء.

هل تذكرون كذبة جهاد النكاح؟؟ تلك الخرافة التي ابتدعها الإعلام الموالي للنظام السوري عن جحافل من الباحثين عن المتعة يحجون إلى سوريا بدافع الجنس المغلف بشعار الجهاد الديني المقدس فتم تغذية تلك الكذبة بحكايات وتحقيقات وإشاعات ثبت أنها أكاذيب محضة فقط للنيل من المجموعات السنية المتشددة.

وهاهي الحروب الدامية التي نعيشها تنعكس محاولات للنيل من الخصم وتحقيره عبر نساء، فكم من خبر ورواية تصور الشيعة بصفتهم "أبناء متعة" فهم ليسوا سوى مجموعات تهجس بالشهوة ونساؤهم حاضرات لتلبية شبق من يرغب، وعلى هذا المنوال طالعتنا أخيراً أخبار عن فتيات ونساء علويات يقدمن خدمات جنسية للجنودالروس في سوريا، وهنا أيضا لا قيمة للخبر فالمهم أن تنتشر الشائعة حتى ولو كان كثر يعلمون أنها كذب محض، إذ يكفي أن تكون المرأة مختلفة من المعسكر الآخر، أي آخر حتى تستحق تلك الهجمة الشرسة ضدها.

ما سبق ليس سوى عينات متفرقة ومن يجهد سيجد المزيد بشأن جماعات وجنسيات وأعراق بل وحتى طبقات اجتماعية، ألم يقل مذيع مصري الشهر الماضي وفي سياق السجالات الداخلية ان نساء الصعيد يخن أزواجهن.

وفي الحقيقة حين يتعلق الأمر بالنساء تتساوى أنماط الفكر سواء أكان اسلامي أم يميني أم قومي فتتعاظم الهوامات الذكوريةوتصبح النساء الشريحة الأولى التي يتم استهدافها اعتداء وتعنيفاً وإهانة بهدف النيل من الخصم. إنه تحرش واعتداء لا يكل مطلقوه عن ابتكار أنماط وضيعة لتظهيره، فالمرأة في وعيهم مستباحة وماتسليط سيف الأخلاق الواهي سوى تعبير عن نفوس مريضة، فلماذا كل هذه الكراهية للنساء.

إنها كراهية سابقة لكراهية الأقليات والأديان والمذاهب الأخرى وكأنما مشاعر ذاك الخليط من الخوف والرغبة في آن هو السليقة الأولى التي تغلف تلك الوضاعة التي نعيشها هذه الأيام. وهنا لانتحدث فقط عن الجرائم المباشرة كقتل النساء واغتصابهن وتهميش حقوقهن اجتماعياً وقانونياً بل حتى على مستوى الخرافة والوهم والكراهية ينال النساء قسط أكبر منها.

لقد مر يوم المرأة العالمي مروراً فلكلورياً كما كل عام، وكما كل عام أيضاً يبقى وضع النساء هو المقياس لمدى انحدار مجتمعاتنا وفي هذا لا قاع نستقر عنده فنحن نثابر ولا نكلّ.