لا مكان للأيديولوجيا في سياسة الكرملين وسوريا ليست استثناء!

لا مكان للأيديولوجيا في سياسة الكرملين وسوريا ليست استثناء!
بينت الكاتبة "عبير بشير" في مقال صحيفة "المستقبل" بأن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يرى أن الملف السوري يمكن أن يتطور في إطار ثلاث سيناريوات وهي: توصل الأطراف المتصارعة إلى حل وسط من خلال المفاوضات، أو إحراز الجيش السوري انتصارا عسكريا، أو اندلاع حرب كبيرة بمشاركة عدد من الدول الأجنبية.

ويتفق لافروف في حديثه الذي نشرته صحيفة "موسكو فسكي كومسوموليت"، مع ما طرحه البروفسور فيتالي ناعومكين مدير معهد الاستشراق الذي أدار أول مفاوضات سورية - سورية في موسكو، عن تقديراته لإيجاد الحلول المناسبة للأزمة السورية، في أن روسيا في تعاملها مع المسألة السورية، تراهن على الحل التفاوضي فقط. حديث وزير الخارجية الروسي عن - المآلات المحتملة للملف السوري، ليس من فراغ.

بل أنه يمكن أن يقدم لنا تفسيرا معقولا، لماذا سارت موسكو في الهدنة الموقتة في سوريا، رغم ما تدعيه موسكو من النجاحات في ضرب معاقل المعارضة المسلحة من الجو، وانكماش المعارضة على الأرض. ورغم أن الهدنة السورية قد تصمد بما يفتح الباب أمام مفاوضات وعملية سياسية، أو قد تنهار، وفي أحسن الأحوال فهي تسير كالبطة العرجاء بفعل خروقات النظام الأسدي والميليشيات الإيرانية والشيعية المستمرة للهدنة، إلا أن سياقات حدوث هدنة في سوريا لأول مرة منذ تفجر الثورة السورية منذ عام 2011، هو الذي يعطي هذه الهدنة بعدا استثنائيا. فهي نتاج أي الهدنة - اتفاق القوتين العظميين أميركا، وروسيا فقد صدر بيان مشترك عن واشنطن وموسكو، على"امتناع الطيران السوري والروسي عن قصف المعارضة خلال فترة الهدنة"، وفي المقابل "يشترط امتناع المعارضة السورية عن محاولة السيطرة على أي أرض خلال الهدنة".

البيان الروسي الأميركي يؤكد استمرار الضربات ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» و»جبهة النصرة» رغم الهدنة، وينص على أن يتم «تشكيل فريق عمل لمراقبة وتنسيق وقف القتال في سوريا»-. وما تبعه من تبني مجلس الأمن الدولي بالإجماع مسودة القرار الأميركي الروسي بوقف الاقتتال في سوريا. والأهم أن الهدنة أو الفرملة أتت بعد إندفاعة روسية كبيرة، بقوة نارية جوية مكثفة، وبعد العنتريات الأسدية باستعادة كل الأراضي السورية من المعارضة. حديث وزير الخارجية الروسي لافروف، الذي يلعب في الأزمة السورية دور أكبر وأعمق من مجرد وزير خارجية لدولة عظمى، كشف عن السبب الذي اجبر موسكو على السير في التهدئة، حين قال بأن سيناريو الحل العسكري صار واقعيا، مع توارد أنباء وتصريحات تقول بوجود خطط لإرسال قوات برية إسلامية إلى سوريا. وأشار لافروف بأن السعودية أعلنت أنها لا تستبعد الاعتماد على القوات التابعة للتحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب - والذي بادرت إلى تشكيله بقيادتها وبمشاركة عشرات من الدول الإسلامية من بينها تركيا ومصر، وجرت مناورات فعليه له في المملكة تحت مسمى رعد الشمال - لدخول سوريا ومحاربة داعش.

باختصار، سيد الكرملين فلاديمير بوتين، الذي حاول في لحظة ما كسر -القاعدة الخراسانية- في سوريا بأن: "النصر ممنوع، والهزيمة ممنوعة "، وسرقة نصر عسكري كبير في ظل تقاعس أميركي أوضح من ضوء النهار. وصلت إلى مسامعه -الزمجرة السعودية - لتذكير القيصر بقواعد اللعبة في سوريا، وهي رسالة حازمة بأن المملكة وتركيا لن تسمحا بسقوط المعارضة السورية بأي حال من الأحوال، والمملكة جاهزة للذهاب إلى خيارات صعبة للغاية. الرسالة الحازمة الأخرى نقلها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إلى نظيره الروسي، ورفع بطاقة صفراء في وجه موسكو، بشأن تصعيد وتيرة أعمالها العسكرية في سوريا، و التي فاقت ما هو مرسوم لها أميركيا. وأبلغ كيري لافروف بأن القتال ضد داعش يكتمل فقط بانتقال سياسي في سوريا، يبدأ بتشكيل حكومة، في حين تقوي الحرب في سوريا من قوة التنظيم وتزيد أعداد اللاجئين. أما البطاقة الحمراء، فقد رفعها الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال اتصال هاتفي بينه وبين القيصر بوتين، تمحور حول الحديث عن سبل التسوية في سوريا، و صياغة نظام لوقف إطلاق النار بما يخدم دعم إطلاق عملية سياسية حقيقية للتسوية في سوريا........ بالعربي عليك التوقف الآن.

عين روسيا أيضا مفتوحة على وسعها على أنقرة، وهي لن تسمح لتركيا بأن يكون لها وجود فعلي داخل الأراضي السورية، هي على الوجه الأدق تسعى لعدم وجود سيطرة تركية على مناطق في سوريا تسمح في مرحلة ما بمرور خط الغاز القطري المنافس للغاز الروسي إلى أوروبا عبر البوابة السورية، في كل الأحوال القيصر بوتين لن يسمح لأي دولة بأن تهدد أهم أسلحته الإستراتيجية في الحرب الناعمة ضد أوروبا وهو سلاح الطاقة -. وهذا السبب الذي جعل لافروف يتحول إلى الحديث عن سياسات تركيا تجاه الأزمة السورية - بعد حديثه من أن سيناريو الحل العسكري صار واقعيا - ليعرب عن قلق بلاده تجاه ما يتوارد من أخبار من وسائل الإعلام وعبر قنوات الاتصال المغلقة حول وجود خطط لدى الأتراك بشأن تغلغلهم داخل سوريا، وذلك عن طريق استغلال جزء من الأراضي السورية بذريعة إقامة مخيمات هناك لإسكان النازحين السوريين وعدم السماح لهم بالعبور إلى الأراضي التركي. وروسيا أيضا لا تريد في مرحلة ما أن ترى قوات تركية تدخل سوريا ضمن قوات برية إسلامية لمحاربة داعش. باختصار ضمان وجود سلاح الطاقة في يد موسكو وحدها، هو عنصر فاصل في مسار الحرب أو التهدئة في سوريا، وسيكون أحد أبرز الملفات التي سيطرحها الكرملين للمقايضة في حال وجود مسار لعملية سياسية في سوريا.

برغماتية روسيا - الشهيرة -، وحرصها على مصالحها بالمقام الأول والثاني والثالث، هي ليست فقط حديث المجموعات التي لديها مشكلة مع موسكو، بل هي موضع حذر كبير لدى قطاع عميق من حلفائها الإيرانيين. فقد اتهم المدير العام السابق لشؤون الشرق الأوسط في الخارجية الإيرانية، روسيا بأنها تسرق تضحيات إيران في سوريا. وأوضح المسئول الإيراني أنه بعد 4 سنوات ونصف استطاعت إيران أن تمرر إستراتيجيتها في سوريا المتمحورة حول بقاء الأسد في السلطة، غير أنه شكك بنيات الروس حيال الأسد وطهران وقال إن السياسة الروسية برغماتية مطلقة تبحث عن مصالحها وقد تنقلب على حلفائها في طهران ودمشق. وأضاف: « صحيح أن ثمن بقاء الأسد كان غاليا وتم على حساب تدمير سوريا ومقتل 250 ألف سوري وتهجير 10 ملايين آخرين، غير أنه في نهاية المطاف، قبل الغرب بالحل السياسي ووجود دور لإيران في هذا الحل «.

وطالب المدير السابق في الخارجية الإيرانية بلاده بأن تكف عن الإيحاء للمجتمع الدولي بأنها متمسكة فقط ببقاء الأسد، بل يجب عليها أن تحافظ على مكتسباتها في سوريا تماما كما تفعل موسكو -، ويجب أن تقوم طهران بتحركات خفية لحماية مصالحها، بدلا عن الخطوات العلنية.

وقال المسئول الإيراني انه من الخطأ أن نقدم التضحيات طيلة هذه السنوات الأربع في سوريا ومن ثم تأتي روسيا وتحصد ثمرة حل الأزمة السورية. وتساءل: « كم قدم بوتين من القتلى في سوريا ؟ وكم صرف من أموال في هذه الأزمة كي يفوز بسوريا «.

وحذر من مغبة استغلال الروس للتسوية حول سوريا وتهميش الدور الإيراني، قائلا: « أنا أعتقد أن بوتين يحصد بذكاء ثمرة الأزمة السورية على حساب الإيرانيين وتضحياتهم طيلة 4 سنوات ونصف، لأنه يقايض الغربيين.

ويرى المسئول الإيراني بأن التدخل الروسي في سوريا جاء لهدفين: أولا للحفاظ وزيادة قواعدهم في الشرق الأوسط، وعلى البحر المتوسط، وثانيا لكسب الأوراق لمقايضة الغرب حول قضايا عديدة، خاصة في أوكرانيا، ولا مكان للأيديولوجيات في سياسات الكرملين.

نعم برغماتية موسكو هي التي تحكمها، ومصالحها ستجعلها تمعن النظر كثيرا حتى لا تتحول الحرب في سوريا من حرب بالوكالة إلى حرب دولية مباشرة، وهي التي تدفع وستدفع روسيا وتذكرها دائما للحديث عن أن الحل في سوريا هو فقط الحل التفاوضي .... جيد ولكن أي نوع من الحل التفاوضي، وتحت أي سقف، وهل هو تحت خيمة الفيدرالية!!!

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات