تعقيبا على مقال د. فيصل القاسم

تعقيبا على مقال د. فيصل القاسم
تحدث الدكتور فيصل القاسم في مقاله "تحميلة روسية لبشار الجعفري وبشار الاسد" عن شهادة مقربين من النظام من تخوفهم قبل سنتين ان روسيا وايران ستبيع النظام بأبخس الاثمان في النهاية. هذا المقال يحاول شرح بعض العوامل الموضوعية التي ادت الى تحقق توقعات الشبيحة.

المشهد في جنيف كان في غاية الوضوح والهزلية. اتفاق بين امريكا وروسيا ومباركة اوروبية وعربية واسلامية، وهي دول كبرى من المفترض ان تحترم نفسها والتزاماتها، وقرار من مجلس الامن لكن النظام لم يحضر او حضر للردح والمكايدة وتوزيع الاهانات. السؤال: هل استمد الاسد هذا الغرور من من روسيا ام ان ايران كبرت الـخَسة في رأسه؟  

العدوان الروسي على سوريا كان معدا اصلا ليكون من 3 مراحل متتالية لا يمكن الانتقال الى المرحلة الثانية قبل تحقيق اهداف المرحلة الاولى. 1ـ تأمين الحدود بالكامل ومنع اي تواصل جغرافي بين الثوار والدول المجاورة لقطع الطريق تماما امام اي فرصة لحرب عصابات قد تمتد لسنوات وتواجه معها روسيا ما واجهته في افغانستان. 2ـ السيطرة على الارض السورية وليس الاجواء السورية فقط وهذا يشرح نشر روسيا لصواريخ 400S بحيث تكون الخيارات مفتوحة لروسيا بين اعادة تأهيل بقايا جيش الاسد؛ او الزج بقوات ارضية روسية بعيدا عن تهديد العودة الى موسكو بتوابيت كما حصل مع ايران؛ استصدار قرار من مجلس الامن لارسال قوات اممية بقبعات زرقاء. 3ـ فرض حل سياسي على السوريين بما يناسب روسيا وايران استراتيجيا ويرضي تركيا والسعودية صوريا، اي ابقاء النظام مع تغيير صورة الرئيس.

المفترق الذي تقف عنده روسيا اليوم بثلاث شعب: الاستمرار بالوضع الحالي اي القصف الجوي مع الاعتماد على المرتزقة الايرانية على الارض دون ان يكون هناك اي امل في النجاح؛ ادخال قوات برية روسية لتحل مكان او لدعم المرتزقة الايرانية قبل تأمين الحدود وهذه مغامرة خطيرة جدا؛ التراجع مع الاحتفاظ بماء الوجه، اي اظهار انسحابها من سوريا على انه اتفاق امريكي روسي على الخطة (ب). المرحلة الاولى لم يتحقق منها شيء، مليشيات المرتزقة استطاعت الدخول الى بعض المناطق لكنها غير قادرة على حماية نفسها قبل ان تكون قادرة على تأمين الحدود السورية التركية والاردنية او استعادت السيطرة على الحدود السورية العراقية، ويبدو انها لن تحقق شيئا. فهل ستغامر روسيا وتنتقل الى المرحلة الثانية قبل تحقيق المرحلة الاولى، اي الدخول في حرب عصابات طرق امدادها مفتوحة ونبدأ في رؤية التوابيت ترحل الى موسكو بدل طهران والضاحية؟

هزيمة روسيا في سوريا، وهي قدر محتوم اذا استمرت بعدوانها على السوريين وتجاهلها لمطالبهم، لها تداعيات ستطال كل اركان العالم. لازالت مرارة انتصار الاسلاميين في افغانستان على روسيا حاضرة في حلق الامريكيين حيث اعتقدو ان بامكانهم هزيمة امريكا بعد ان خيل لهم بانهم هزمو الاتحاد السوفييتي وهذه نقطة لا تغيب ابدا عن ذهن السياسي الامريكي متمثلة باحداث 11 ايلول. هزيمة روسيا هذه المرة لن تكون في ركن بعيد من العالم الاسلامي ولكن في قلبه وعلى مرمى حجر من معظم العواصم العربية. في نفس الوقت امريكا لا تريد ان يـُهزم الاسلاميين لأن ذلك سيؤدي الى ارتدادات ربما تكون اخطر من انتصارهم. على مدى 5 سنوات وامريكا تبحث عن هبوط آمن لسوريا او ان لا تنتصر الثورة تحت راية اسلامية ولا تنهزم وتراوحت خياراتها بين خلق وتدريب ثورة سورية بديلة الى التحالف مع تنظيمات مازالت مدرجة على قائمتها لمحاربة الارهاب وانتهى بها الامر الى الاستعانة بالروس الذين بدل ان يكحلوها عموها واصبحت المعادلة ان لا تنهزم روسيا ولا تنسحب. التدخل العسكري التركي السعودي يستطيع كسر هذه المعادلة المستحيلة وقد بدأتا بالفعل اعداد العدة لذلك.

الموقف الامريكي ليس معارضا للخطة الروسية في سوريا بقدر ما هو متخوف من فشلها وبالتالي جر امريكا الى تدخل عسكري مباشر في الشرق الاوسط وهذا هو جوهر الخطة (ب)، اي انقاذ روسيا اذا فشلت او ارتكبت حماقة وخانت اتفاق فيينا مع امريكا وتركيا والسعودية على محاربة تنظيم الدولة وتجنب قصف مناطق الثوار حتى تكسب ثقتهم ويقتنعو بان هناك عملية سياسية جدية يجري اعداد الارض السورية لتحقيقها تفضي الى ازاحة النظام (ليس الاسد) وحرمان الثورة السورية بسبب طابعها الاسلامي من توقيع الانتصار باسمهما، اي تفريغ الانتصار من طابعه ومحتواه الاسلامي ونسبه الى روسيا حتى لا يستعمل كنموذج وخطة انطلاق قد تطال دول المنطقة وحتى روسيا نفسها.

لكن يبدو ان روسيا اغترت بقوتها واعتقدت ان بامكانها ابتلاع سوريا وتأمين هبوط آمن لسوريا على طريقتها، اي القضاء على الثورة واعادة الاسد وبالتالي القضاء تماما على احلام الاسلاميين في ثورة مسلحة في اي مكان من العالم. مرة أخرى، التدخل العسكري الروسي لم يكن بدون علم وموافقة امريكا وضمانات قدمتها لتركيا والسعودية بان روسيا ستلتزم بالاتفاق وضمانات قدمتها روسيا لامريكا بانها ستجبر الاسد على الالتزام بالاتفاق، اي الرحيل. لكن محاولة انفراد روسيا بالحل في سوريا وما يترتب عليه من خطورة شديدة اذا فشلت او خانت الاتفاق ،وهو احتمال كبير جدا، اوصل الصراع الى مرحلة خطيرة للغاية.

الصراع في سوريا اكبر بكثير من قدرة روسيا على حسمه عسكريا اوسياسيا لوحدها وهذه حقيقة تدركها امريكا والسعودية وتركيا وروسيا نفسها. سوريا ليست جمهورية روسية معزولة مثل الشيشان وليست اقليم القرم التابع لاوكرانيا وتقطنه غالبية روسية وليست جورجيا التي تحدها روسيا من 3 جهات. كيف غابت التركيبة السكانية والعقائدية والسياسيسة والاقتصادية والعسكرية والجغرافية المعقدة في الشرق الاوسط عن المخطط الاستراتيجي الروسي واعتقد لوهلة ان باستطاعته التغلب عليها ب 75 طائرة حربية ومليشيات مرتزقة؟ لا احد يدري. اليوم تكتشف روسيا انها بحاجة الى امريكا واوروبا وتركيا والسعودية ليس فقط لانهاء الصراع في سوريا بل لتأمين خطة خروج لها سواء نجحت او فشلت وان الاعتماد على ايران لا يكفي. سواء خانت روسيا اتفاق فيينا اوفشلت في انقاذ الاسد فالنتيجة واحدة وهي ان الصراع الآن يدور حول من سيقطف ثمار هزيمة روسيا. لا احد من الاطراف الدولية المعنية بالصراع يريدها ان تسقط بيد الاسلاميين وهذا ما سيجبر روسيا اولا على القبول بان يعزى انتصار الثورة السورية للتدخل العسكري الاسلامي ويجبر امريكا ثانيا على القبول بتوفير غطاء جوي وسياسي للتدخل الاسلامي الذي تقوده تركيا والسعودية.

لطالما صدعت امريكا رؤوسنا بانها تبحث عن شريك على الارض من المعارضة المعتدلة (اي غير الاسلاميين) وانفقت عمر الثورة كله ومئات آلاف الارواح البريئة لتخرج علينا بستتة مقاتلين انفقت عليهم مليار دولار. ثم اتجهت الى الاكراد ودخلت في صراع سياسي مع تركيا ومغامرة غير محسوبة العواقب لتقسيم سوريا وربما المنطقة برمتها قد تكون نتائجها اكثر خطورة من التسليم بنجاح الثورة الاسلامية في سوريا. ثم عقدت اتفاقية مع روسيا وقدمت ضمانات لم تكن تتوقع يوما انها ستتطالب بتقديمها بعد ان خانت روسيا الاتفاق او بدأت عوارض الهزيمة عليها في سوريا تطفو على السطح.  

تركيا والسعودية تحشدان 250 الف جندي و 2500 مقاتلة و 15 الف دبابة من 20 دولة اسلامية وقد نجحا مؤخرا في تجنيد الدعم الاوربي ممثلا في المانيا وفرنسا وبريطانيا وايطاليا. فهل مازالت امريكا تبحث عن معارضة معتدلة على الارض حتى تحقق المعادلة المستحيلة وهي ازالة الاسد وهزيمة الثورة السورية؟

يبقى الشق الثاني من السؤال: هل كانت ايران هي من حرضت الاسد للتمرد على الروس وكبرت الخَـسة في رأسه. ليس سرا ان في حال نجاح روسيا المستبعد في أعادة تأهيل الاسد فأن وضع ايران فيها سيكون هامشيا في احسن الاحوال وهذا افضل من ان يكون غير موجود تماما عندما يسقط، لأن ايران استمثرت في نظام الاسد وليس في سوريا ورحيله يعني خسارة كاملة. ايران بدأت تدرك ان الدب الروسي بدأ ينزف وسيقف قريبا امام الخيارات الصعبة المذكورة اعلاه وراهنت على خيار الاستمرار في الاعتماد على مليشياتها باعتبار ان التهديد العسكري الروسي لتركيا سيجبر تركيا على اغلاق حدودها مع سوريا وقطع خطوط الامداد عن الثوار وبالتالي تمكين روسيا من الانتقال الى المرحلة الثانية من عدوانها بدون الخوف من حرب عصابات. ايران اقنعت الاسد انه اضحى العنصر االاساسي في الخطة الروسية الخفية التي انقلبت بها على اتفاق فيينا وان بدائل روسيا الاخرى غير متاحة وبالتالي اصبح الذيل يحرك الدب الروسي بعد ان وقع في المصيدة وذهب الاسد الى جنيف بوفد من المهرجين بدل مفاوضين.  

هناك خلل كبير وواضح في قراءة ايران للوضع في سوريا بعد العدوان الروسي. الاسد وايران لا يعنيهما فقد السيطرة على تسعة اعشار سوريا طالما انهما قادران على انشاء دويلة طائفية حتى لو في الضاحية الجنوبية للاذقية، بينما روسيا تريد الحفاظ على كل سوريا وخاصة حدودها مع تركيا كسد جيوسياسي امام النفط العربي. هذه هي نقطة الخلاف الجوهرية بين روسيا من طرف وايران والاسد من طرف آخر. ثانيا، تركيا لن تقبل بتأمين حدودها مع سوريا ووقف دعم الثوار بدون ثمن والذي لن يكون اقل من رأس الاسد. اي ان ما عولت عليه ايران لتكبير رأس الاسد هو نفسه ثمن رأسه.

تلميح امريكا لامكانية تقسيم سوريا ضمن الخطة (ب) يعني افراغ الوجود الروسي العسكري من محتواه الاستراتيجي في حال رضخت روسيا للابتزازات الايرانية باقامة دويلة علوية، اي اصبح الذيل يحرك الكلب. يجب ان لا ننسى ان الهدف الاستراتيجي الروسي في سوريا هو منع اي تواصل جغرافي بين دول الخليج النفطية وتركيا لمد خطوط انابيب نفط وغاز الى اوروبا تنافس بقوة انابيب النفط والغاز الروسية وليس استثمار حقول الغاز المكتشفة حديثا في المياه الاقليمية السورية او حماية قاعدتها البحرية على الساحل السوري. ان كانت روسيا تسعى لشيء فهو تقليص عدد الدول المنتجة للغاز وليس زيادتها، وان كان لقاعدتها البحرية على الساحل السوري اي اهمية فهي للحفاظ على سوريا كتلة جيوسياسية تمنع المنافسة العربية لنفطها وغازها. في حال تقسيم سوريا فسيكون هناك دويلة اخرى بجانب الدويلة العلوية تسمح بهذا التواصل ولن يكون للدويلة العلوية اي اهمية استراتيجية بالنسبة لروسيا. ما يثير السخرية ان لافروف يعلن ان ليس هناك خطة (ب) وفي نفس الوقت يقترح دولة فيدرالية في سوريا مقابل مشروع تقسيم سوريا المطروح ضمنيا في الخطة (ب). دولة فيدرالية يعني ان تكون مهمة ابرام اتفاقات دولية لأنشاء انابيب نفط وغاز محصورة بالحكومة الفيدرالية وفي حالة سيطرة روسيا على الحكومة الفيدرالية فأن شيء من هذا القبيل لن يحصل. حتى الفيدرالية لن تنجح في تحقيق اهداف روسيا. هناك حكومة فيدرالية في العراق لم تستطع ايقاف اقليم كردستان العراقي من ابرام صفقة مع تركيا لتصدير نفطه الى اوروبا عبر تركيا.

يبقى اتفاق وقف اطلاق النار الذي كان معدا اصلا ليكون فخا للثوار، أي استفزازهم للقيام بالدفاع عن انفسهم وبالتالي اتهامهم بانتهاكه وعندها ربما تستطيع روسيا استئناف عدوانها على سوريا وتقاوم الضغوطات التركية والسعودية. لكن الشعب السوري الذي فاجأ العالم بثورته قبل 5 سنوات يفاجئهم اليوم مجددا ليس فقط بالتزام الثوار بوقف اطلاق النار رغم الخروقات الجسيمة من قبل روسيا والمرتزقة الايرانية بل بعودة المظاهرات السلمية المطالبة برحيل الاسد ووحدة الشعب والتراب السوري بحماية اتفاق وقف اطلاق النار. من يجرؤ على القاء براميل متفجرة علينا اليوم؟

التعليقات (2)

    ابو جانو

    ·منذ 8 سنوات أسبوعين
    مقال جميل بس المضحك فيه عن اي ثوار تتحدثين هل الجماعات الارهايية المتطرفة التي لا تقبل وترى في العلمانية والديمقراطية كفرا و مشروعهم الثوري هو شريعة الاسلام هم بعيونكم ثوار حقا محاربه نظام المجرم لوحده لا يصنع ثوار

    Samir ahmad

    ·منذ 8 سنوات أسبوعين
    برأيي اليوم في سوريا اعظم ثورة في العالم
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات