حمص تتكلم الألماني.. الخالدية تفوز بأبطال غابوا مع مجزرتها

تعرفت على "مظهر طيارة" عن طريق أصدقاءه، ولكنني لم أقابله رغم أنني أعرف شكله وطباعه واستطعت تخيل صوته، فمظهر مات في مجزرة الخالدية قبل 4 سنوات، وبعد "مظهر" تعرفت على "أسامة الهبالي" الذي لا يدرِ أحد إذا ماكان لا يزال على قيد الحياة في سجن نظام الأسد، وبقي الاثنان في وجداني كلما قرأت كلمة عنهما على صفحات أصدقاءنا المشتركين.

عدت لقراءة ما كتبته عنهما بعد تلك المجزرة الرهيبة، التي صادفت ذكراها الرابعة قبل أيام، ربما تكون مصادفة، ولكن في سوريا لا يحدث شيء بالمصادفة.

الرحلة

مظهر وأسامة كانا بطلين لمسرحية حمصية حصلت على أهم جائزة في البلاد الناطقة اللغة الألمانية، والعمل المسرحي الذي حصل على جائزة أهم عمل مسرحي ناطق بالألماني لعام 2015 أخرجه وكتبه الشاب السوري الحمصي اللاجئ أنيس حمدون.

أنيس لم ينج تماماً من مجزرة الخالدية، فقد عينه يومها، وبعد أن وصلت إلى مشفى الأمل الكثير من الضحايا يومها، كان على أنيس أن يقتنع بأن عينه باتت من التاريخ.

ولمشفى الأمل حكاية تتلخص باسمها، و"الأمل" تلك استقبلت ضحايا المجزرة بلا أن يكون لدى معظمهم أي أمل، وبقي حماصنة الخالدية حتى اليوم وبعد 4 سنوات من المجزرة يذكرون اسم المشفى ويعتذرون فوراً على معنى اسمها لأنه مامن شيء في حمص ينسجم مع تلك المشفى التي خرج منها معظم أهالي حي الخالدية إلى المقبرة تاركين أمل عائلاتهم بالنجاة شبه معدوم.

بالعودة إلى مسرحية "الرحلة" التي نقل حمدون من خلالها خالديته وأصدقاءه إلى ألمانيا، فإن أبطالها كانوا ممثلين ألمان، ولكن بقي دور مظهر للفنان السوري نوار بلبل الذي كان متواجداً طوال فترة العرض عن طريق عدة شاشات توزعت في المسرح، ذلك أنه ليس لاجئاً حتى اليوم وإنما يعيش في الاردن.

قبل 4 سنوات أُخرج أنيس إلى مصر للعلاج ولإصرار أهله على المحافظة على حياته، وبقيت خطيبته "زينب" في سوريا، وزينب ربما تكون أول فتاة ترفع الأذان على خشبة مسرح، لأنها كانت الموسيقى التصويرية في المسرحية، تدندن وتغني وترفع الأذان.

خاف الاثنان "أنيس وزينب" أن لا يلتقوا ثانية خصوصاً وأنها بقيت أكثر من عاماً في سوريا بعد وصوله مصر، ولكنها اليوم زوجته وواحدة من أبطال مسرحيته، وإن لم تمثل على الخشبة فإن صوتها وأداءها للأغاني السورية وللأذان الإسلامي حمل تأثيراً ساحراً، غنت زينب أمام جمهور ألماني في مهرجان هو الأضخم في ألمانيا وسويسرا والنمسا، وهو المهرجان الذي يقام مرة واحدة في كل عام.

رحلة حمدون لم تكن سهلة من مصر إلى ألمانيا، ومن ثائر وهاوي مسرح إلى مخرج مسرحي في مسرح هواة ومن ثم لمخرج هو الأشهر هذه الأيام في المانيا لحصوله على تلك الجائزة.

الخالدية انتقلت إلى ألمانيا، و"مظهر" و"أسامة" حضرا بذاكرة أنيس، وكان للفتاة التي تتحدث الألمانية ولكنها تجسد أخرى سورية، حملت كل ما يمكن أن تحمله من قوة وصلابة وتضحية، كان لتلك الفتاة ولذلك الدور الذي اختزل عدة شخصيات نسائية موجودة في ذاكرة أنيس، وجوداً قوياً وهو الدور الوحيد الذي أتبناه كامرأة سورية، تلك الفتاة الممرضة والشجاعة التي تم اغتصابها على مسمع من أخيها على خشبة مسرح ألماني، والتي شعرت بالسعادة عندما مات أخوها بالغرفة المجاورة ليقينها أن صوتها وهي تصرخ أقسى عليه من الموت بأشواط، تلك الفتاة تختصر الفتاة السورية اليوم وبالأمس.

في حديثي مع أنيس لم أتمكن من هزم دموعي، وبينما بقي يتكلم لأكثر من ساعة عن المسرحية، سرحت بخيالي عن التقارير الصحفية التي كتبتها عن مظهر واسامة والتي كانت السبب الأساسي بتعرفي على أنيس، ولا اذكر إن كان انتبه إلى تهدج صوتي، ولكن كل ما أذكره أنني أغمضت عيني وشاهدت المسرحية معه، وبكيت على موت أبطال على المسرح كما ماتوا في الحياة..

أرسل الجمهور الألماني إيميلات لإدارة المسرح لمتابعة عرض المسرحية، ربما يكون جوع وفضول للتعرف على بعض ما يحدث في سوريا عن طريق مسرحية تحمل كل المعاناة السورية، بعد أن بات اللاجئ السوري جزء هام من حياة الألماني، وبالفعل فإنه تقرر عرض المسرحية بعد المهرجان وبعد أن فازت بتلك الجائزة..

لا أعتقد أن الجائزة تخص أنيس حمدون الكاتب والمخرج، ولكنها جائزة للخالدية التي تحدثت بالألماني في ألمانيا.

كتبوا وقرأنا..

أتى تتويج المسرحية بتلك الجائزة في فترة قريبة من ذكرى مجزرة الخالدية الرابعة، وبينما يعمل ممثلون في ألمانيا على تجسيد شخصيات سورية، استذكر حمصيوا الخالدية المجزرة، وامتلأت صفحاتهم بأحداث تلك الليلة الرهيبة، فكتب محمود "الشاب الذي بقي مخلصاً لصورة مظهر باعتمادها لبروفايله حتى اليوم"، وهو ذات الشاب "الشاهد على موت مظهر وإصابة اسامة وأنيس" عن المجزرة، كتب : "ممنوع نفتح نت 

بخون العهد وبقرا خبر اول قذيفة... بخبر الشباب .. .. بيندهشوا ..بيلبسوا ..انيس ومظهر وحكم وعبيدة بسيارة عبيدة .. انا وابو رعد مشي.. ع مكان القذيفة....................المشهد دمار، ناس كتار، دم كتير جرحى كتير، ابطال كتير،الو الو الو الو.. ما حدا جاوب.. تغطية مافي.. تلفون سيئ.. حظ سيئ.. يوم سيئ ..اﻷسد سيئ.

اول مستوصف وضع لايوصف.. قالو هون الشهدا، يارب مالاقي حدا بعرفو جوا، بس انا بعرف كل بيوت الحارة وكل المارة، وكل شب وكل ختيار و ختيارة.

يا الله بدي فوت بقلي ممنوع، بفوت وانا موجوع، بلاقي مظهر وحدا عم يعلقلو سيروم، بقلي هالشب عايش، بقلو هاد أخي،بحمل مظهر، بطلع بلاقي سيارة بروح مظهر ع المشفى.. ع اي مشفى عم تاخدو المصابين ؟؟؟ ع اﻷمل.. اﻷمل ؟؟؟ اي اي اﻷمل. 

اي عبيدة شو عم تقول لك الووووووو، انيس ؟؟؟ شو ؟

عينه ؟؟؟ بسرعة ع اﻷمل، مشفى اﻷمل هيك اسمها شو منعمل. 

الحاجز عم يضرب السيارات يلي رايحة ع المشفى، اقطعوه بسرعة، قطعنا بسرعة، وصلناااااااااااااااااااااااا

اوووووه الناس كتار.. الدم بكل مكان.. ايدو مقطوعة، رجلو مقطوعة، نزيف، وقف النزيف. 

........... الو اي ابو عمر انا بالمشفى بدنا دكاترة، الو اي مالك انا بالمشفى بدنا متبرعين بدنا دكاترة، الو اي ابو انس الحقونا ع المشفى الناس باﻷراضي، دكتور عم يبكي !!!! يا ويل حالي شو اعلم انا لكن ؟؟؟!!!!!

انيس عينه عم تنزف مظهر منشيلو ع التصوير 

بيعطوه رقم 6 وبيكتبوها ع بطنوا 

مصابنا رقمو ستة 

شيلوه ع العمليات 

انا شلت مصابين لحالي ع كرسي التصوير 

بس مظهر ما قدرت شيلو 

تعو شيلو معنا ابو ظهير

التلفون عم يرن ......... مكالماااات لم يرد عليها 

برجع البيت استشهدوا نص اهل حارتي وجيراني 

الو اي ولك شو ؟

اسشتهد مظهر ......

ياويلي وانيس راحت عينه وحكم اتصاوب بكوعه وبركبته 

يوم اﻷحد بجنازة مظهر انا بتصاوب ومظهر ع المقبرة وانيس شالوله عينو 

ايواااااااااااااااا اكيد بكرا يوم القيامة .

طلع اﻷسد خايـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن".