أجاب لافروف قبل يومين في مؤتمر ميونخ للأمن على سؤال الصحفيين حول إمكانية تطبيق وقف إطلاق النار بأن نسبة نجاح العملية لا تتجاوز 49%. لافروف يتحدث كسياسي، إذ لايمكن لسياسي أن يقول إن العملية مستحيلة خصوصاً وهو يكرر منذ خمس سنوات أن الحل لن يكون إلا سياسي، لكنه يدرك تماماً استحالة نجاح وقف إطلاق النار والبدء في المسار السياسي، لأن وزارة دفاعه تقصف المدنيين وفصائل المعارضة منذ أكثر من أربعة شهور، ولا تزال مستمرة في تدمير كل مناطق الثوار.الجميع يعلم أن لاحل سياسي يلوح في الأفق، وكل كلام المؤتمرات واللقاءات هو فقط للاستهلاك الإعلامي، هناك أمر دبر بليل.لا نملك، ولا يمكن لأحد أن يعلم طبيعة الاتفاق الروسي الأمريكي الأخير حول تقاسم النفوذ في المنطقة، فالأوربيون مستاؤون وحلفاء أمريكا الأقليميون أيضاً متخوفون من تبعات هذا الاتفاق غير المعلن.بعد تردد كبير قررت المملكة العربية السعودية وتركيا التدخل عسكريا في سوريا، تركيا التي تريد منع تشكيل كيان كردي يهدد أمنها القومي على حدودها الجنوبية، والسعودية التي تحاول مواجهة النفوذ الإيراني بعد أن بدأت قذائف الحوثيين تنهمر فوق مدن وبلدات سعودية متاخمة لليمن.
تركيا أضاعت فرصة لاتعوض في العام الماضي، قليل من الجرأة وروح المبادرة كانت تكفي لتشكيل منطقة آمنة أو عازلة في شمال سوريا، كانت المعارضة تحقق انتصارات كبيرة في إدلب والجنوب أيضا، وفرنسا ما قبل تفجيرات باريس كانت داعمة للمطلب التركي، ولم يكن حينها طيران بوتين يسرح ويمرح فوق سماء سوريا وحيداً. كانت تركيا تستطيع بالقوة فرض هذه المنطقة وتسليمها اداريا للائتلاف ولحكومته المؤقتة، وبحماية فصائل الجيش الحر المقبولة من كل الأطراف.
اليوم تدفع تركيا ثمن ترددها، وتحاول تعويض ما فاتها،لكن المعطيات مختلفة. فالتوحش الروسي طال الجميع، وحجّم دور كل القوى الفاعلة في الملف السوري بما فيها حلفاء ما تبقى من نظام الأسد الكيماوي.
مساء الأمس بدأت المدافع التركية بقصف مواقع للميلشيا الكوردية في محيط مدينة اعزاز، وتزامن القصف مع وصول الطائرات السعودية والقطرية لقاعدة انجرليك التركية. موسكو بدأت بالتصعيد عسكريا في شمال سوريا وكأنها في سباق مع الزمن، والمملكة العربية السعودية أيضاً تصعّد من لهجتها وتهدد بإسقاط الأسد عسكريا في حال فشل الحل السياسي.
كل التصريحات الصادرة عن السياسيين، سواء في مؤتمراتهم الصحفية أو لقاءاتهم في الغرف المغلقة ما هي إلا صدى لصوت طبول الحرب التي تقرع. فوزير الخارجية الامريكي جون كيري قال في لقاء خاص مع تلفزيون "أورينت" كلاماً لايمكن أن يصدر عن وزير خارجية دولة عظمى، كان يتحدث وكأنه ناشط سياسي أو محلل عسكري.لم يقل شيئاً واحداً يستحق التوقف عنده، وهذا ما يعزز الرأي القائل بأن أمريكا لارغبة لها في إنهاء الصراع في سوريا طالما أن الجميع يخسر.
من الصعب التنبؤ بمدى قدرة السعودية وتركيا معا على الانخراط عسكرياً في سوريا، فإرسال قوات برية وروسيا تقصف يعني الدخول بمواجهة مباشرة مع موسكو، فهل تستطيع تركيا تحمّل تبعات هذه المواجهة؟ وهل سيكون الناتو حاضراً للدفاع عن عضو مؤسس من أعضائه؟!. في المقابل ماذا لو وصلت الطائرات الروسية لليمن وبدأت بقصف قوات التحالف الخليجي دعماً للحوثيين كما تفعل في سوريا دعما للأسد.
اليوم يبدو المشهد معقداً والصورة ضبابية، فالأحداث تتسارع بشكل كبير، بارجات روسية تتجه نحو المنطقة، طائرات سعودية قطرية وصلت إلى تركيا، مدافع تركية بدأت أولى عملياتها في سوريا. لكن ما هو واضح بشكل جلي هو أن الحرب قادمة، فلنستعد لها.
التعليقات (19)