مراسلات فوق الدول (كسينجر- بوتن)

مراسلات فوق الدول (كسينجر- بوتن)
هنري كسينجر، اسم من الصعب أن ينساه أي عربي عاش آخر حرب عربية- اسرائيلية عام 1973، وقتها كان وزيرخارجية الولايات المتحدة الأمريكية،واشتهر بجولاته المكوكية التي أنتجت اتفاق وقف إطلاق النار المصرية  التي توصل بعدها السادات إلى اتفاقية كامب ديفيد المشهورة بينما استمرت الاتفاقية السورية لفض الاشتباك برعاية الأمم المتحدة،إلى  وقتنا الحالي فكانت شبه سلام مع اسرائيل دون   حصول سورية على الجولان المحتل.

                                                                

كسينجر هذا، الذي وصف حسنين هيكل ولاءه بأنه أولاً لنفسه ثم بعد فراغ طويل لانتمائه الأمريكي يسبقه انتماؤه اليهودي، هو اليوم في موسكو ينقل لبوتن (وفق الأخبار الأمريكية والروسية) رسالة تقول: إن الولايات المتحدة ستتعامل مع روسيا بعد اليوم من خلال القانون الدولي وليس من خلال التفاهمات الجانبية.

من يعرف شيئاً عن كسينجر يهزأ بمثل هذا الخبر، إذ مثل هذه الرسالة يمكن لرسولٍ موظف بوزارة الخارجية الأمريكية من الدرجة الثانية أو الثالثة أن يؤديها هذا إذا لم تبُلغ من خلال تصريحٍ للناطق باسم الوزارة نفسها أمام الصحفيين في تقاريرهم اليومية، أو من خلال البعثات الديبلوماسية الموجودة بين البلدين لمثل هذه الاتصالات. إنها أبسط من أن تحتاج إلى مثل كسينجرالمستشار الأول بمجلس الأمن القومي الأمريكي وبخاصة لشؤون الشرق الأوسط، وربما الرئيس الفخري للمنظمات الصهيونية الأمريكية، وعرًاب العلاقة مع الصين وإيران ومنسق معاهدة السلام المصرية في  كامب ديفيد، كسينجر الذي تعدى الثمانين من عمره أ يسافر إلى موسكو وهو من هو لتبليغ مثل هذه الرسالة؟

إذن......ما وراء الخبر؟ وما الأمر فائق الأهمية الذي دعا الإدارة الأمريكية لإرسال ذلك الرجل أو الذي تطوع السيد كسينجر للذهاب بنفسه من أجله؟

قد يعيننا الرجوع إلى الوراء لفهم الموقف المعلن  لهذا الرجل –على الأقل- عندما كان يقوم  بزياراته المكوكية بين اسرائيل ودمشق أو القاهرة، في أحد لقاءاته مع كولدا مائيرأواخر عام 1973 أحب أن يُطمئنها على مصير اسرائيل فقال: "من الخطأ أن ننظر إلى المنطقة كوحدة متجانسة ومعادية لاسرائيل، إنها لوحة فسيفساء قابلة للتفكك، وليس بعيداً أن نشاهد بعد زمن غير بعيد ظهور الدولة الكردية على سبيل المثال".

تتالت الأحداث ومرَت عقود واختبأ تصريح كسينجر معه بعد أن غاب عن وسائل الإعلام وبتنا نفاجأ بصورته أحياناً في ملاعب الكرة وظننا أنه اعتزل العمل السياسي وتفرغ لكتابة مذكراته، كما يفعل السياسيون المتقاعدون عادة. لكنه مع السنة الرابعة للثورة السورية عاد وتصدر الصحف والمنابر وأصبحت ترجمة كتاباته ونشرها عربياً تأخذ أهمية غير عادية لمعرفتنا بقدرته على التأثير في القرار الأمريكي.

ونشر بلال ياسين في عربي 21، ونقله موقع كلنا شركاء ، ترجمة لحوار تحت عنوان " هل أطروحة كسينجر حول سورية صحيحة" نظرية كسينجر التي تتلخص بنقطتين: أولاهما، قتال داعش أولاً وهو أبدى من نقاش مصير الأسد، وثانيتهما، تحويل سورية إلى بناء فيدرالي يقوم على تقسيم الأجزاء السنية والعلوية......

وكانت صحف ومواقع عربية نشرت تصوره لتقسيم المنطقة لضمان انهاء الحروب واستقرارها كما يقول.لكنَ رسالته  إلى أوباما المنشورة في صحيفة" وول ستريت جورنال ،والموجودة في موقع كلنا شركاء مترجمة نقلا عن موقع ايلاف" تكشف ما يراه استراتيجية ضرورية لإعادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى مركزها العالمي الذي فقدته بسبب موقفها السلبي من المسألة السورية،وأهم مافي تلك الرسالة ما يلي:

*- سبب الصراعات الراهنة داخل كل دولة بين جماعات اثنية ودينية هو تجميعها  عشوائياً بعد الحرب العالمية الأولى على هيئة دول ( آخذة الآن بالانهيار).

*- تبدو السياسة الأمريكية تجاه إيران – بالرغم من التصريحات الكلامية- ملتزمة التزاماً عميقاً بإنهاء البعد العدواني والعدائي الذي تتسم به السياسة الإيرانية من خلال تطور تاريخي يُعززه التفاوض.

*- الاتفاق مع بوتن حول الوضع السوري لا يُعارض بالضرورة مصالحنا القومية، فتدمير داعش هو الضرورة الأولى، قبل التفكير بمصير الأسد.

*- أمريكا تحتاج نظاماً عالمياً جديداً يمكَن القوى الكبرى من استعادة الحوار فيمابينها واعتماد مبدأ التوافقات الضرورية . 

*- يمكن للقوى الإقليمية السنية المشاركة في قتال داعش.

تلك أهم النقاط التي وردت في رسالته والتي تلقي أضواء كاشفة على مهمته في موسكو، 

*- فهل أراد من الزيارة الاتفاق على النظام العالمي الجديد وإقامة التفاهمات الضرورية حوله؟

*- هل أراد أن يبحث تركة الرجل المريض ليس سورياً فقط وإنما على مستوى الشرق الأوسط بعد أن انهارت ترتيبات مابعد الحرب العالمية الأولى وفق رأيه؟

*- هل أراد أن يرسم حدود تعاون موسكو مع الدول الإقليمية لمحاربة داعش، وفي وسط ذلك الرسم أمن اسرائيل والتمديد لبشار؟

*- هل التصريحات المفاجئة الأخيرة للوزير كيري بشأن الأسد والإرهاب والمعارضة لها علاقة بنظرية كسينجر وزيارته؟

*- وهل تصريح وزير خارجية بريطانيا بشأن سعي روسيا لإقامة دويلة علوية في الساحل السوري له علاقة بالنظام العالمي الجديد الذي يقترحه كسينجر؟

*- هل إعلان تركيا والسعودية عن إرسال جيوش برية قرار ذاتي، أم له علاقة مع الاستراتيجيات الجديدة المقترحة للسيد كسينجر؟

قد تكون مباحثات كسينجر في موسكو حول أحد الاحتمالات السابقة وقد تكون جميعها، وهو الأرجح،فلايليق بمثله أن يتحرك لأقل من هذا  لكنها بكل الأحوال لن تكون من أجل تبليغ بوتن بالقانون الدولي...وعلينا أن نعي ما يُحاك حولنا وأن نكون مستعدين له. 

التعليقات (7)

    أبو شريف

    ·منذ 8 سنوات شهر
    أقول كسوري متواضع ولست انا سياسيا ان حلم أمريكا باقامه دويله علويه لن يكتب لها النجاح ولن نرضى إلا ان تكون سوريه موحده وكفى

    مروان الحمد

    ·منذ 8 سنوات شهر
    يقول ملك الملوك (قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بني انهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأنا هم العذاب من حيث لا يشعرون) فكل ما يجري هو من قدر الله ويعلم الله وهو لا يعني ان تركن لكن أية الله جارية في نصرة أمة اسنضعفتها أمم الظلم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون قد يموت كيسنجر وقد تحقق حلمه في إهانة المسلمين لكن سيبقى بعد حين لعنة على شفاه أبناء ملته إلى ابد الابدين.

    محمد عادل

    ·منذ 8 سنوات شهر
    مقال هام جدا يسلط الضوء على المجرم هنري كسنجر . الأحداث التي تحصل الأن في الشرق الأوسط هو من تخطيط هذا المجرم وأعوانه منذ السبعينات من القرن الماضي. هذا المجرم يظهر ولاءه لأمريكا لكن ولاءه الحقيقي للصهاينة وإسرائيل. وليس من المستبعد أن يكون ذهابه لروسيا لتنسيق مخططات الصهاينة مع الدب الروسي تحسبا لتغير الموقف الأمريكي في المستقبل. الصهاينة يخططون لخمسين سنة في المستقبل ويحسبون حساب التغيرات الدولية فهم يعلمون أنهم لا يستطيعون تنفيذ مخططاتهم بأنفسهم وإنما بإسنعمال الأخرين.

    منذر هنداوي.

    ·منذ 8 سنوات شهر
    لا شك اننا أمام مرحلة جديدة ترسم معالمها العامة أمريكا. و لا شك أن أمريكا قادرة على فرض معظم ما تخطط لهًه وخاصة بعد هذا الانهيار الكبير لسورية. و هذه المقالة غنية بفهم كيف تخطط أمريكا على المدى الطويل. لكني أتساءل عن دورنا في كل هذا و ماذا نستطيع كسوريين أو كمعارضة أو كمهتمين بالشأن العام أن نفعل؟

    الحقيقة

    ·منذ 8 سنوات شهر
    كسنجر هو مهندس التمدد الايراني هو صاحب فكرة حلف الممانعة الذي ضم العلوين والشيعة واخوان المسلمون فهو من اخرج مصر من قيادة المقاومة بتفاقية كم ديفد مع السادات وسلم زعامة المقاومة للخميني والصفوين واطلق حرية الاخوان في العالم السني والذين كانوا يعملون كمبشرين لثورة الايرانية في العالم السني واعين لايران في المجتمعات السنية

    كيسنجر ساعي بريد قرار الدوائر

    ·منذ 8 سنوات شهر
    يا أيتها السيدة الكريمة لهو جد مميز ما أتيت به فعلاً، لكن مالذي تريده دوائر الصهيونية ومكاتبها سيما ومدير مبيعاتها في روسيا بوتين، انها تريد البلوغ من دين محمد ص ودياره من الامام وصفوية مجوس ايران من الخلف لطالما نجح السوفييت بعزل بعض دوله مثل سوريا ومصر واليمن بل واعتلى صوت الربيع في دمشق الشآم والتي كانت القاضية واربكت الجميع وكان مطلوب من اوباما عدم التحرك بل ترك الدور للذي حارب الشيشان والذي حارب افغانستان والذي يحارب في سوريا التي تعتبر عمق الفكر الاسلامي الحنيف فكرا، فجاء يوصيه

    Adel

    ·منذ 8 سنوات شهر
    أختي الكريمة ,لو قرأنا التلمود,لفهمنا قرار عراب الفاتيكان السابق(مساعدة الشعب السوري خطيئة لاتغتفر),تقاعس أمريكا وأوروبا المقصود للقيام بعمل انساني تجاه الشعب الذي يباد صغيره وكبيره,هجوم روسيا المسعور والذي ينم عن حقد دفين ,وأما اسرائيل فهي تدير المخطط وكلابها تقوم بالتنفيذ ,الحلم حدودك يااسرائيل من الفرات الى النيل. أليست حروبهم دينية وهم يدعون العلمانية!
7

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات