وقف إطلاق النار قبل توقيت "موسكو" بعشرين يوم !

وقف إطلاق النار قبل توقيت "موسكو" بعشرين يوم !
بالتزامن مع بث "جيش الإسلام" إصداره اللافت حول معركة "الله غالب" التي أطلقها في تشرين الأول 2015، وحقق خلالها نتائج كبيرة جداً، جعلت النظام على حافة انهيار حقيقي في دمشق، ما دفع القيادة الروسية للتدخل المباشر من أجل منع سقوط النظام، أعلن في ميونيخ مساء الخميس، عن وقف إطلاق نار مؤقت بين الثوار و"تحالف النظام" في قسم كبير من الأراضي السورية.

بالتأكيد أنا لا أعني أن الإصدار المرئي الذي بثه جيش الإسلام قبل ثلاثة أيام هو الذي جعل الروس وحلف النظام يقبلون بما كانوا قد رفضوه طيلة خمس سنوات، حتى عندما كان النظام يتعرض للهزائم، بل إن هذا الربط ضروري لاستعادة تفاصيل مهمة لا يجب أن تغيب في هذا الصدد. 

فما لم تحققه ثلاث مؤتمرات في "جنيف" حول القضية السورية (2012-2016) واثنان آخران مثلهما في "فيينا" (تشرين الأول 2015) تحقق (على هامش) مؤتمر ميونخ للأمن الدولي الذي انعقد الخميس، حيث وافقت روسيا على وقف اطلاق النار.

موقف بدى مفاجئاً جداً، وغير منطقي إذا ما تم النظر إليه من زاوية حلف النظام، الذي يحقق اليوم وبفضل التدخل الروسي المباشر، انتصارات واضحة على الأرض، الأمر الذي أثار تساؤلات كبيرة، وطرح فرضيات عديدة حول أسباب هذه الموافقة الروسية على وقف اطلاق النار في هذا التوقيت وبهذا الشكل.

والحقيقة، فإن إقرار وقف العمليات القتالية في هذا التوقيت من قبل القيادة الروسية، التي أصبحت اليوم هي المتحكم والمتنفذ في القرار الرسمي بالنسبة للنظام، يأتي قبل موعده المفترض "روسياً " بعشرين يوم، اذ كان يجب أن تعلن "موسكو" انهاء المرحلة الأولى والأقوى من عملياتها في سوريا نهاية الشهر الحالي، إلا أن التحرك السعودي القوي في الدوائر الدبلوماسية الدولية مؤخراً، وإعلان جدية "التحالف الإسلامي" التدخل البري في سوريا، معطوفاً على معاناة حلف النظام برياً رغم تقدمه في العديد من المناطق، جعل الروس يرضخون، وإن كان بشكل جزئي.

لكن لماذا كان يجب أن يتم الإعلان عن وقف اطلاق النار من قبل الجانب الروسي وحلفائه نهاية هذا الشهر ؟!

سؤال ليس مفاجئاً أن تضيع الإجابة عليه في زحمة التفاصيل والتطورات المتسارعة التي تعصف بالقضية السورية، وعليه فمن الطبيعي أن ينسى أكثرنا أن القيادة الروسية كانت قد وعدت شعبها، بأن عملياتها العسكرية في سوريا لن تستغرق أكثر من أربعة أشهر، وقد انقضى منها حتى الآن ثلاثة أشهر واثني عشر يوماً.

لذلك كان وزير الخارجية الروسي قد اقترح قبل يومين من مؤتمر ميونيخ وقف اطلاق النار نهاية الشهر الحالي، إذ أن سلة الأهداف الروسية لم يكن قد تحقق منها بعد، سوى استعادة تحالف النظام السيطرة على الجزء الأكبر من ريف اللاذقية المحرر، بالإضافة إلى فك الحصار عن مطار كويرس العسكري في ريف حلب الشرقي، بينما لا زالت مخططات تحالف النظام الاستراتيجية متعثرة في كل من ريف حلب الجنوبي، حيث كان يأمل بالوصول من خلاله إلى فك الحصار عن بلدتي كفريا والفوعة في ريف إدلب، وفي ريف حمص الشمالي، حيث السعي لقطع آخر خطوط الإمداد بين هذه المنطقة وبين ريف حماة الجنوبي، بالإضافة إلى فشله في استعادة ما تبقى من نقاط استراتيجية مهمة ما تزال تحت سيطرة الفصائل في الغوطة الشرقية والجبال المطلة عليها منذ معركة "الله غالب".

لكن إن استسلم هذا التحالف لحقيقة عجزه في تلك المناطق، فإنه لم يكن ليقبل بأي وقف للعمليات القتالية قبل أن ينجز هدفه الاستراتيجي الأهم، وهو تحقيق اختراق استراتيجي ومباشر لمشروعين طالما عبرت روسيا عن تخوفها منهما، واعتبرتهما خطوطاً حمر لن تسمح بتجاوزهما، وهما مشروعي "المنطقة الآمنة" التي تم تداول إمكانية فرضهما، إما في الشمال عن طريق تركيا، أو في الجنوب بالتعاون مع الأردن.

ولذلك، فقد أفشلت "موسكو" متسلحة بموقف أمريكي غاية في الخيبة مؤتمر جنيف3، من أجل تحقيق التقدم في هاتين المنطقتين، حيث نجحت قوات حلف النظام بالوصول إلى بلدتي نبل والزهراء شمال حلب، وبالتالي تابعت التضييق على تركيا بعد أن بلغت حدودها في الساحل قبل ذلك بشهر، كما أعاد هذا الحلف، بسيطرته على بلدة عتمان بعد مدينة الشيخ مسكين في ريف درعا، أعاد النظام إلى عمق حوران من جديد، وبالتالي جعل من مهمة انشاء أي مناطق آمنة أكثر تعقيداً بالفعل.

ما سبق لا يعني أن الأمور أصبحت واضحة على هذا الترتيب، ولا يعني قبل ذلك أن روسيا أنهت مهمتها في سوريا وستغادر، بالتأكيد لا. كما أن الإبقاء على مناطق خارج إطار هذا الاتفاق، على اعتبار أن "جبهة النصرة" منتشرة فيها، يترك الأبواب مفتوحة على وقف إطلاق نار هش ومبهم ومعرض لكل الاحتمالات.

 لكن أمام كل ذلك، لن تكون الفصائل بحاجة لنصائح على الصعيد العسكري الذي تبلي فيه بشكل اسطوري، بل هي بحاجة إلى استثمار الوضع الجديد والوقت القادم، في استدراك ما أهملته على الصعيد السياسي وعلى صعيد إدارة المناطق المحررة والعلاقات البينية، فهما العاملين الذين سيحددان في المرحلة القادمة كل شيء تقريباً.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات