روسيا وذاكرة المسلمين

روسيا وذاكرة المسلمين
تَحْتَفِظُ ذاكرةُ المسلمين في العالم عامة وفي روسيا خاصة للسلطات السوفياتية - الروسيَّة بذكريات مؤلِمة عن المدن المدمَّرة والقصف والدماء المسفوكة، ذكرياتٍ تُؤسس لكلِّ أنواع العداوة والحروب الباردة والساخنة في آنٍ معاً.

لقد مارست تلك السلطات في القرن العشرين والسنوات التي تلته سياسةً تجاه المسلمين أقل ما يُقال فيها إنَّها سياسة عدوانيَّة ظالمة:  

- تعرَّض الفكر الدينيُّ على يد السلطات السوفياتية إلى اضطهاد وقمع شديدين على مدى سبعين سنة، ولم تفرِّق السلطات السوفياتية بين هذا الدين وذاك... لكنَّ وطأة الاضطهاد حيال المسلمين كانت أشدَّ عنفاً وقسوةً. وقد روت عميدة كليَّة الاستشراق في دوشانبه أن المسؤولين في الحزب الشيوعي كانوا يكشفون على ألسنة الطلاب في شهر رمضان ليعرفوا المفطر من الصائم وليسجلوا الأخير في اللوائح السوداء.

 

- كانت حرب السوفيات على الشعب الأفغاني من أكثر الحروب وحشية في القرن العشرين، فقد قتلوا ما يقرب من مليون ونصف أفغاني، أي ما يعادل تسع هذا الشعب المقهور، وجرحوا أعداداً لا تُحصى، وشردوا الملايين، ودمروا البنى التحتية، بل الفوقية والجانبية تدميراً لا عمار بعده.

- كان موقف الروس من الشيشان ومحاولاتهم الاستقلالية التحررية، موقفاً لا يقلُّ إجراماً عمَّا فعلوه في أفغانستان، ولا يختلف في شيء عمَّا فعله آل الأسد في أحياء بابا عمرو وداريا والصاخور... بل يمكن القول إن النظام الأسدي قد أخذ الدرس الأساسي من أساتذته الروس، ولن ينسى المسلمون أو الشيشانيون على الأقل منظر بوتين وهو يقود طائرة السوخوي المدمِّرة من موسكو إلى غروزني، لِيُعلِن من هناك انتصاره على أطفالها وأراملها وثكالاها.

- كان موقف الروس من حرب البلقان أو الحرب في يوغوسلافيا مخزياً ومعيباً وشاذَّاً؛ فقد وقفوا مع ميلوزوفيتش وزمرته الشوفينيَّة، وانتصروا للصرب السلافيين الأرثوذوكس على الرغم من المجازر المهولة التي ارتكبوها بحق مسلمي البوسنة وكوسوفو، ولم يكترثوا إلى الرأي العام العالمي، ومارسوا الرقاعة السياسية دون حياء أو خجل.

- وقف الروس مع الدكتاتور اليمني منذ بداية الثورة اليمنية، وانتهجوا حيال اليمن السياسة نفسها التي انتهجوها حيال سوريا. وأيَّدوا المُلَّا آية الله الحوثي، ودعموا ميليشيات صالح الفاسدة ضد الشعب اليمني وقوات التحالف العربي.

- دعم الروس المواقف الإيرانية المعادية للإسلام السني دعماً متجنياً وبصورة لا محدودة، بل كانت مواقفهم المؤيدة لإيران وسياساتها العدوانية التوسعيَّة رعناء إلى درجة بدَتْ فيها دولة روسيا الاتحادية وكأنَّها دولة صغيرة ملحقة بإيران.

     

- وقف الروس منذ الأيام الأولى للثورة السورية مع الدكتاتور المجرم ضد الشعب السوري الثائر ، ولم يروا فيما جرى في سوريا ثورةً، بل رأوا فيه تمرداً إسلامياً متطرفاً مسلحاً، وكانت وسائل إعلامهم على امتداد خمس سنوات الثورة تخاطب المتلقين بالخطاب نفسه الذي تتبناه أقنية الإرهاب والظلاميَّة: الدنيا والمنار والعالم. ولم يكتف بوتين بتأييد نظام المهووس المختبئ في المهاجرين، بل تدخل مباشرة، واحتلَّ أجزاء من سوريا، واندفع وراء سياسة البطش الإجراميَّة القائمة على قصف المدارس والأسواق والمشافي... وما زال يصعِّد...   

هذه بعض المحطات العامَّة من المواقف الروسية تجاه الإسلام والمسلمين في العالم. فماذا عن مواقف المسلمين في روسيا الاتحادية تجاه تلك السياسات المعادية للإسلام التي ينتهجها الكرملين داخل روسيا وخارجها؟

إنَّ أهم ما يلفت الانتباه في هذا السياق هو الغياب شبه التام للإحصاءات واستطلاعات الرأي المتعلقة بمسلمي روسيا الاتحادية، ممَّا يدل دلالة واضحة على ثانويتهم وهامشية وجودهم في الفضاء الجيو سياسي الروسي.

ليس هناك إحصاء رسميٌّ دقيق لعدد المسلمين في روسيا، فهذه الدولة النووية العظمى والعضو الدائم في مجلس الأمن، والتي تمتلك جهازاً من أعتى أجهزة المخابرات في العالم، وتحصي على الناس أنفاسهم وعدد أقداح  الفودكا التي يشربونها، لا تحصي أعداد المسلمين لديها!! أو تتجاهل ذلك عمداً لأغراض متعددة في نفس يعقوب. فالفارق بين الحدين الأعلى والأدنى لعدد المسلمين يصل إلى 10 مليون نسمة، إذ تشير الأرقام غير الرسميَّة إلى أنَّ عددهم يتراوح بين 20 - 30 مليون نسمة وهذا فارق مهول يشي بطبيعة ما تمارسه السلطات بحقِّ المسلمين من ظلم وتجنٍ. وهؤلاء المسلمون يعيشون في جمهوريات وأقاليم داخل روسيا الاتحادية أهمها جمهوريات تترستان وبشكيرستيان وتشيشنيا وداغستان وإنغوشيا وشركسيا... وهي جمهوريات وأقاليم لا يمرُّ ذكرها في الصحافة العالمية وشاشات التلفزيونات إلا قيما ندر. أما أعداد المسلمين في المدن الروسية غير المسلمة فلا يعرف أحد شيئاً عنها، وفي هذا الصدد يقال إنَّ في موسكو وحدها أكثر من مليوني مسلم.

ما رأي هؤلاء المسلمين في السياسة الخارجية الروسية؟ وما رأيهم بما تقترفه السلطات الروسية من جرائم علنية - أو من وراء الكواليس - بحق المسلمين  في سوريا وفي غيرها من البلدان؟!! كيف ينظرون إلى الغارات الإجراميَّة التي تشنها الطائرات الحربية الروسية على المدنيين السوريين في حلب وأريحا ودوما وجسرين؟

من المؤكد أن الجزء الأكبر من مسلمي روسيا قد لا يبدو معنياً بسوريا وما يجري فيها مثله في ذلك مثل الروس عموماً، لكنَّ جزءاً لا بأس به من هؤلاء المسلمين تربى على كراهية الروس، وتربى على أن يرى فيهم عدواً ظالماً مضطهِداً، ويتحين الفرصة المناسبة والشحن السيكولوجي لينقض منتقماً. ليس بين أيدينا للأسف أية معطيات أو معلومات أو استطلاعات للرأي تكشف عن علاقة مسلمي روسيا بالسلطات الروسيِّة... وكلُّ ما نعرفه لا يعدو أن يكون انطباعات شخصية مبنية على مواقف جزئية، لكنها تحمل في طياتها دلالات قد يكون من المفيد معرفتها... لقد تعرفتُ في مدينة سانت بيتربورغ إبَّان الحرب على الشعب الشيشاني على أفراد من المسلمين الشيشان والإنغوش يضمرون مِنَ الكراهية والبغضاء للروس ما لا يُمكن أن يُتَصوَّر... بل إن أحد الشيشانيين قال في إحدى الجلسات حرفياً: ((إنَّ قتل روسي وغد بالنسبة إلينا ليس أكثر أهمية من قتل جرذ))، ولا أظنُّ أنَّ هذا الرجل - الحالة - قد غيَّر رأيه، وأصبح يعطي أولاده دروساً في فكرِ باختين أو موسيقا تشايكوفسكي.

والآن ووفقاً لما نقلته الإندبندنت فإنَّ المقاتلين الشيشان الذين يقاتلون على الأرض السوريَّة يتوعدون المغامرين الروس بنقل المعركة إلى الأراضي الروسيَّة، فهل سيفعلون ذلك؟ وهل ستساعدهم الحاضنة الشعبيَّة الإسلاميَّة على فعل ذلك؟ سيكون الشعب الروسي المُغيَّب عن الحقيقة واتخاذ القرار الخاسرَ الأكبر في كلِّ الأحوال، وقد يدفع ثمن مغامرات بوتين الدكتاتور المصاب بجنون العظمة؟ ولعلَّ الأبرياء الذين أزهقت أرواحهم فوق سيناء أول الضحايا على مذبح السياسة البوتينية الرعناء.

التعليقات (2)

    مجاهد السمعان-عقيد ركن متقاعد

    ·منذ 8 سنوات شهرين
    الروس في عهد القياصرة أو العهد الشيوعي أثناء وجود الإتحاد السوفياتي أو في عهد بوتين الديمقراطي المزيف على الطريقة الأسدية كانوا وما زالوا أعداء الأمة العربية ومصالحها وبالذات أعداء العرب السنة ، بل والمسلمين السنة في كل مكان، ولا يمكن الوثوق بهم مع وجود بوتين ( زعيم المافيا الروسية وكلبه لافروف الأرمني) أو غيره في المستقبل في حال إغتياله أو الإنقلاب العسكري عليه ، وهذا هو الأسلوب الوحيد للتخلص من رئاسته لروسيا ، مثله مثل بشار المعتوه والمتنحي مبارك وزين العابدين والفاطس ( معمر القذافي) ؟؟؟؟؟

    Hamzah Alkateeb

    ·منذ 8 سنوات شهرين
    إلى المسلمين كافه وزعماء العرب خاصه يرجى اللأطلاع على تاريخ روسيا البوتّنيه المجرمه والنشر على مواقع التواصل الإجتماعي وهذا أقل ما يمكن يا راعاكم الله. والله أكبر.
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات