إنّها مفاوضات وقت ضائع

إنّها مفاوضات وقت ضائع
يرى الكاتب "خالد غزال" في مقال له في صحيفة "الحياة" في كل الحروب الأهلية أو المناهضة للمحتل، تجرى المفاوضات في ظل تصعيد للعنف إلى أقصى حدوده، لأن الحسم العسكري من قبل الأطراف المتحاربة يشكل عنصراً مهماً في تسريع المفاوضات أو فرملتها، وفي الوصول إلى نتائج محددة. وكما هو حاصل اليوم على الساحة السورية، فإن النظام مدعوماً من حلفائه الروس في شـــكل أســـاسي، يسعى إلى قضم أكبر مساحة من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية المسلحة.

 ويجب الاعتراف بأن التدخل الروسي لعب دوراً كبيراً في تعديل ميزان القــوى إلى حد كبير لمصــلحة النظام، من دون أن يعني ذلك تغييره في شكل كامل لمصلحته. لكن هدف النظام سيــتركز على تصعيد الحرب، عله ينجز حسم المعركة على الأرض قبل الوصول إلى نهاية الأشهر الستة المحددة للمفاوضات. في المقابل، ستسعى المعارضة المسلحة إلى الدفاع بشراسة عن الأراضي التي تسيطر عليها، والقيام بعمليات هجومية، علها تعدل من ميزان القوى لمصلحتها، بما يعزز موقفها في المفاوضات الجارية.

يفصح النظام كل يوم عن أهدافه الحقيقية بوسائل شتى. في المفاوضات الجارية، يعرف النظام أنه المعني الأول بتقديم التنازلات وفق الخطة الدولية التي ستجرى على أساسها المفاوضات، خصوصاً المتعلقة بإعادة تنظيم السلطة والحكومة الوطنية والانتخابات تحت رعاية الأمم المتحدة. لن يكون سهلاً على النظام دفع أثمان تحد من سلطته، طالما أن النقاش لا يدور عن تغيير النظام أو إزاحة رأسه. ليست هذه مسألة شكلية في حسابات النظام السوري، فهو يعرف أن التنازلات مقدمة لتغييرات عميقة في بنيته مستقبلاً. لذلك، يصعّد من شروطه لجهة القوى التي يقبل بالجلوس معها إلى طاولة المفاوضات، وبنوع التنازلات التي سيقدمها في أي تسوية.

لا تبدو المعارضة السورية، السياسية والعسكرية، في وضع مريح يسمح لها بالجلوس إلى طاولة المفاوضات وهي تملك أوراق قوة تجعلها على قدم المساواة مع النظام. خلافاً للسلطة القائمة، تذهب المعارضة من دون قرار موحد أو سلطة مركزية يمكنها الموافقة أو القبول لأي قضية ستطرح، فهي معارضات متنوعة، تحكمها صراعات على السلطة والنفوذ، تتقاتل مع بعضها البعض، لا تملك برنامجاً موحداً لمستقبل سورية، وهي عناصر ضعف لهذه المعارضة ونقطة قوة للنظام.

 لم يكن ترددها في دخول المفاوضات سوى تعبير عن ارتباكها تجاه القضايا التي ستواجهها في هذا الاستحقاق. خيراً فعلت بالذهاب إلى جنيف، فالغياب لن يكون إلى جانبها، وإذا كانت غير متفائلة بالوصول إلى إعطائها الحد الأدنى من المطالب في المرحلة الراهنة، إلا أنها تقطع بحضورها على النظام التفلت من أي تنازل سيكون مطلوباً منه. مع الإدراك أن الذي سيدفع في المفاوضات هو النظام أكثر بكثير من المعارضة.

في هذه المفاوضات، لسنا أمام نظام ومعارضة يملك كل واحد حرية القرار في الموافقة أو التعطيل. فهذه المفاوضات، كما يبدو، «ممسوكة» بقوة من المعسكر الدولي، أميركياً وأوروبياً وروسياً، والذي بات يرى في الأزمة السورية مصدر خطر على أمن هذه الدول، ومركز تصدير للإرهاب. إن القرار المستقل لكل طرف محدود، ويتصل صعوداً أو خفوتاً استناداً إلى الراعي الدولي والإقليمي للنظام والمعارضة.

ما يعني انه لن يكون سهلاً على هذا الطرف أو ذاك التملص من المفاوضات ومن قبول التسويات على حسابها في النهاية. إن الحديث عن فترة زمنية تمتد إلى سنة ونصف، تتقرر فيها طبيعة التسوية، هو أمر يقع في إطار الموقف النظري. فخلال هذه الفترة، ستجري مياه كثيرة وتحولات ومساومات، سيكون الأضعف فيه كل من النظام والمعارضة.

في هذا الوقت الضائع بين التسوية وتواصل الأزمة، سيدفع الشعب السوري الكثير من الدماء والتدمير، فالنظام مستنداً إلى حليفه الروسي لن يتوانى عن نهجه التدميري لما تبقى من سورية، مستكملاً شعاره الذي أطلقه منذ انطلاق الانتفاضة بأن تغيير النظام وإزاحة الأسد سيكون ثمنهما تدمير البلد.

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات