"الموت عمل شاق".. 3 أيام سورية ضائعة بين الموت والحياة

"الموت عمل شاق".. 3 أيام سورية ضائعة بين الموت والحياة
أفزعني عنوان رواية خالد خليفة الجديدة "الموت عمل شاق"، ولأن خالد صديق وأجزم أنني أعرف شيئاً من داخله، تضاعف خوفي وارتيابي من رواية تحمل الموت عنواناً، رفع كاتبها شعار الحياة في جميع الظروف.. هذه هي سوريا اليوم، تترك الحياة لتتكلم عن الموت، وكلما أصبح الموت عملاً شاقاً، كلما اقتربت من الشعور السوري، والحياة السورية، نعم نحن في سوريا لا نموت بسهولة ولا نعيش بسهولة، الحياة والموت هناك أمنية لا يمكن تحقيقها. 

"الموت عمل شاق" رواية توثق لجزء من تاريخ، لجانب من الحياة السورية، وأما المهمة الأصعب للكاتب، بحسب اعتقادنا، فهو محاولة توصيف كل ذلك الألم، وتلخيص كل تلك الإهانات، وتصوير مشهد الموت اليومي دون أن تُدخل الرواية أبطالها في معارك حقيقية تحدث يومياً على الأرض السورية.

 الجبن هو ما يجمع أبطال الرواية الثلاث، ويفرقهم كل ما عدا ذلك، فالإخوة الثلاثة (رجلين وامرأة) يجتازون سوريا التي يتجول الموت في طرقاتها لدفن (والدهم) الذي أوصى بأن تكون أرض قريته هي المكان الأخير لرقاده، وفي رحلة الدفن تلك يتعرفون على كل أنواع الحواجز، ويجتازون اختبارات الكرامة التي تتهي دائماً بخسارتهم، ليكون الهرب الموت هو الاختبار الوحيد الذي ينجحون باجتيازه، والنجاح اختصره خليفة بالبقاء على قيد الحياة ظاهرياً، وليرسبوا فيه فعلياً مع موت كل مافي بداخلهم من قيم وعواطف، فإن كانت رحلة دفن الميت استغرقت كل تلك المشاعر والهزائم فكيف بالحياة هناك. 

الأب الذي وقف مع الثورة منذ اليوم الأول مات في فراشه، وتنفيذ وصيته كانت أصعب بكثير من موته نفسه، والأكثر صعوبة تجلى باستيقاظ ضمير أحد أبناءه، وقراره تنفيذ وصية والده بدفنه في قريته، والابن صاحب الضمير المستيقظ انسان سلبي ضعيف، موقفه الوحيد في الحياة وخصوصاً خلال الثورة في سوريا، كان إصراره على دفن والده بالمكان الذي أحبه. الابن الثاني، أكثر شراسة من الأول وأكبر بالعمر، يحمل قسوة غريبة، يكاد لا يشعر بأن الجثة الموجودة على أرض السيارة تخصه لا من قريب ولا من بعيد، ولكنه امتثل لقرار أخيه الأصغر بدون تفكير، ربما أراد أن يثبت لنفسه أنه لا يزال يحمل بعض المشاعر الإنسانية، والتي ما لبث أن ندم عليها وعلى مجاراته لأخيه بعد أن عاين كل أنواع القهر والذل واحتمالات الموت في كل لحظة.

 الأخت، امرأة تكاد تكون بلا مشاعر، حزينة في حياتها وستكون حزينه في مماتها، تفقد صوتها في نهاية الرواية فيشعر القارئ أنها تستحق أكثر من فقدانها لصوتها، سوء حظها جعلها أخت هؤلاء الاثنين، وفقدان اي أمل بالحياة دفعها للسفر معهم في محاولة يائسة تحمل أسباب فشلها لإعادة العائلة المفككة إلى عائلة شبه طبيعية. 

"الموت عمل شاق".. رواية سورية بأبطال سوريين عن 3 ايام سورية، 3 ايام في زمن بشار الأسد، لا تتحدث عن الثورة بقدر ما تتكلم عن الموت، ولكنني كسورية أتبناها للتاريخ، أتبنى تأريخها لسياسة قتل الإنسان في سوريا، أتبنى وصف الموت فيها، وأنتظر أن أقرأ رواية سورية عن أحبائي من الشهداء وأصدقائي من المعتقلين..

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات