نودّعُ عاماً لنستقبلَ آخر

نودّعُ عاماً لنستقبلَ آخر
لا تكاد تفتحُ نشراتِ الأخبار العربيّة خاصة ,, حتى تتفاجأ كلَّ يوم بالكمّ الهائلِ من الأحداث المأساويّةِ ,, ابتداءاً من سوريا التي نالتْ النّصيبَ الأكبر,, مُروراً بفلسطين فالعراق واليمن وليبيا ,, وانتهاءاً ببورما ,, البلد المنسيّ .

نتساءلُ حقاً ,,

كيفَ لنا أنْ نتفاءلَ بعامٍ جديد و نحنُ على مدى خمسِ سنوات , نعيشُ الأحداثَ نفسها بفظاعةٍ أكبر ,, و مشاهدَ مؤلمةٍ أكثر ,, و عدد ضحايا لا ينتهي ..!!!

و كأنَّ عدَّادَ الموتِ العربيّ يأبى أنْ يتوقف ..

بَلْ و تطورَ الحال ,, لِتغدو بلاد الغرب مسرحاً لجرائمَ هي الأخرى ,, تحدثُ باسم "الإسلام" .

مازلتُ أذكرُ لليوم ,, منذُ خمسِ سنواتٍ مضتْ ,, قولَ أستاذنا في الجامعة ,, معَ بدايةِ العام الجديد ,, قالَ لنا :

" - استقبلوا عامَكم بكثيرٍ من الودّ ,, و الابتسامةِ و الحب ,, سَيَكونُ عاماً مميّزاً إِنْ فعلتُم ذلك .. "

أخذْنا نَفَساً طويلاً حينها ,, و ابتسمنا جميعاً ,, بعضُنا من بابِ المُجاملة و البعضُ الآخر من بابِ الاقتناعِ حقاً .

و كأنَّ لسانَ حالنا يقول :

" رُبّما سَيَكونُ عاماً مُميّزاً " .

اشتعلتِ الثوراتُ العربيّة حينها ,, و انتفضَ الوطنُ العربيّ ,, و انقلبتِ الموازين .

لمْ يكُن يعلم أستاذنا آنذاك أنَّ الحروب في البلدان العربيّة و العالم ,, سَتُنسينا مُتعةِ الاحتفالِ بعامٍ جديد ,, و أنّها قدْ وضعتنا أمامَ مهمّةٍ جديدة لمْ تكُن تخطرُ لنا على بال ,,

غدتْ أيّامُنا كلُّها متشابهة ,,

* نفتحُ "التّلفاز" لِنُحصي عددَ الضحايا مقارنة ًبالعامِ الذي قبله ,, و نحصي عددَ المدن التي استولى عليها "داعش" ,, والأخرى التي سيطرَ عليها النّظام .

* ننتظرُ أخبارَ اللّاجئين في كلّ بلدانِ العالم ,, ما بينَ غريقٍ أو مُقصى أو منْ هم بلا مأوى ,, ننتظرُها بعينِ الدّهشةِ حيناً و الحزنِ و التفاؤل حيناً آخر ..

* نراقبُ إعدامات "داعش" ,, و آخرَ ابتكاراتهم في التعذيب و القتل .

* نُسافر إلى مصر ,, لِنَتَفاجأ بإبداعات "السيسي" و "خَرَجَاتِهِ" الإعلاميّة في خطاباته و سياسته الداخلية و الخارجية .

* نَمُرُّ على ليبيا ,, لِنَجدها تغرقُ في فوضىً مسلّحة ,,

* إلى اليمن ,, حيث أدى توسُّع "الحوثيّين" في مناطقها إلى تدخل السعودية التي ترغبُ بقطع التمدّدُ الشيعيّ .

* لِنصلَ إلى "بورما" حيثُ يعيش مُسلِمو "الرّوهينجا" إبادةً و تشريداً منذُ قديمِ الزّمان ,, دونَ أنْ يأتي الإعلامُ على ذكرهم .

* ومِن دون أن ننسى فلسطين ,, المنكوبةِ و الوحيدة منذ زمن ,, و الشّامخة الصّامدة رغمَ أنفِ المعتدي .

لمْ نَعُدْ ندري أينَ نسكُن ,, بعدَ أنْ أصبحنا نقيمُ في كلّ وطنٍ عربيٍّ جريح ,, و في كلّ بُقعة مكلومةٍ من العالم ,, من مدينةٍ إلى أخرى ,, و مِنْ مجزرةٍ إلى كارثة ,, تَجدُنا هناك ,, نُودّعُ عزيزاً و نبكي مُحبّاً ,, و نثأرُ لأخ ,, يحدُثُ هذا ,, تحتَ وضحِ الضمير العالميّ ,, و على مرمىً مِنْ عيْنَيْه .

ثَمَّةَ مَنْ أخذَ الحربَ على محملِ الجدّ ,, فَتراهُ لا يُفوّتُ ثانية دونَ أنْ يتابعَ الأخبار من :

" الجزيرة " إلى " العربيّة " إلى " فرانس 24 " .. لا همَّ لديه سِوى أنْ يُراقب أوضاعَ الوطن العربيّ و العالم ,, و ما آلَ إليه الحال ,, تاركاً مهامَه كلّها إلى أجلٍ غيرِ مُسمّى ,,

كَحالِ ذلك َ العجوز الذي لمْ يتحمّل قلبُه مشاهدةَ مقطعِ " الفيديو " الذي تقومُ فيه " داعش " بحرق الطيّار الأردني " معاذ الكساسبة " ,, فَأُصيبَ بأزمةٍ نفسيّة ,, جعلتْهُ يدخلُ المستشفى على إِثْرها ,, لِيموتَ بعدَ شهر من الحادثة .. نتيجةَ تعبٍ في القلب .

إنّنا حقاً بحاجة إلى إعادةِ تأهيلٍ نفسيّ ,, بحاجةٍ إلى وقت لِنستوعبَ ما يحدُثُ من حولنا ,, لِنُصدّقَ أنَّ ما نراه حقيقيّ ,, و أنّنا لا نعيشُ كابوساً لا نهايةَ له .

" هذا زمنُ الحقّ الضائع "

كَما يقول ( صلاح عبد الصبور ) حيثُ :

" لا يعرفُ فيهِ مقتولٌ مَنْ قتله .. ومتى قتله

و رؤوسُ النّاسِ على جثث الحيوانات ,,

و رؤوسُ الحيوانات على جثث الناس

فتحسّسْ رأسك

فتحسّس رأسَك .. "

في الختام .. أقولُ لكم كما قال أستاذي ذاتَ يوم :

" - استقبلوا عامَكم بكثيرٍ من الودّ ,, و الابتسامةِ و الحب ,, سَيَكونُ عاماً مميّزاً إِنْ فعلتُم ذلك .. "

و أُضيفْ :

عِشْ حياتَك بصدق ,, و أحْدِثْ فرقاً في حياة الآخرين :

بالإحسان و التضحية و الإلهام و التأثير ..

إنّكَ لنْ تغيّر العالم من حولك .. و لكن بمقدُورك أن تُحدثَ فرقاً فيه ,,

لا تنظرْ للأحداثِ من حولك بعينِ التّشاؤم ,, فلابدَّ للّيلِ أن ينجلي ,, و للغمامةِ أن تزول .

التعليقات (4)

    Nawar

    ·منذ 8 سنوات شهرين
    فتاة موهوبة منذ الصغر وعاشت آلام اكثر من بلد عربي اما بتنقلها للعيش من بلدها الروحي سوريا الى بلدها الام الجزائر او من المها السوري والفلسطيني والجزائري والعربي بين ماعاشته من صداقات وحب مع اكثر من جنسية عربية . خولة ترجمت المها وتجربتهاوحبها وتفائلها اللذي هو شعور اغلبنا في هذه الايام لكن موهبتك ونبض قلمك وانت تخطي نبض قلبك وصل الى القلب فادمع العين ورفع الرأس للسماء داعيا الله بالفرج لك ولنا ولكل مسلم وعربي لتصبح مدوناتك سبب فرحنا وليس حزننا

    Chenouf Khansaa

    ·منذ 8 سنوات شهرين
    ماشالله عنك كتبت فأبدعت الله يحميك يارب

    نسيبه نسيبه

    ·منذ 8 سنوات شهرين
    متألقة ورائعة كعادتك ابدعتي حبيبتي ربي يوفقك

    Chafika Yalouli

    ·منذ 8 سنوات شهرين
    قرأتها من قبل والآن اجد نفسي أعيد القراءة وبصوت أسمعه انا وليس غيري ...كم أنت رائعة بوصفك الدقيق للأحداث وما يحري في بلادنا العربية والمسلمة ...فعلا نحن ضحايا ..شعوب ضحايا
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات