أخلاق الثورة وضمير العالم

أخلاق الثورة وضمير العالم
خلال اليومين الماضيين، انتشر على نطاق واسع، تسجيل مصور للقيادي العسكري في حركة أحرار الشام بريف حلب "حسام سلامة" المعروف باسم "أبو بكر"، وفيه يهاجم من على منبر خطبة الجمعة، الفصائل العسكرية وقادتها بسبب التناحر والخلافات والاقتتال الداخلي، التي تزيد من عذابات السوريين ومأساتهم على يد النظام وحلفائه.

يركز الشيخ حسام، الذي يحظى بمكانة خاصة بين الثوار في خطبته المؤثرة، على آلام الناس وعذاباتهم المستمرة، جاعلاً منها البوصلة التي تحرك نقده للفصائل وقادتها، في موقف أخلاقي سام، يتلاقى وبشكل عفوي مع موقف الثورة العام الذي اعتمده فريق المعارضة في مفاوضات جنيف الحالية.

تعيد هذه المواقف العالم كله إلى مربع الثورة الأول وحقيقتها الأصيلة، باعتبارها ثورة إنسانية تنتصر للمظلومين والمعذبين، وتناضل من أجل حقوقهم وخلاصهم، حيث التمسك بإطلاق سراح المعتقلين، ووقف استهداف المدنيين، وانهاء جرائم التجويع حتى الموت في المناطق التي يحاصرها النظام وحلفاؤه قبل الدخول في أي مفاوضات.

من الناحية السياسية والعسكرية، لا يمكن أن تحقق هذه المطالب أي مكاسب للثوار والمعارضة، وبالتالي، فهي تظهر وبشكل واضح مجدداً، أن الثورة كانت وما تزال إنسانية القيم وأخلاقية المبادئ، حتى وهي تتعرض لأقسى منعطفاتها وأخطرها في الوقت الحالي.

 

فرغم الهجمة الشرسة والتقدم الذي يحققه حلف النظام بدافع القوة الروسية الكبيرة التي دخلت المعركة بشكل مباشر ضد الثورة، فإن الثوار لم يطالبوا بوقف القتال أو يشترطوا الحصول على المزيد من السلاح، في الوقت الذي لم يعد سراً فيه أن أغلب الفصائل تتعرض لتقنين كبير على هذا الصعيد، بل إن هناك قوى حتى من الجيش الحر، قد انقطع عنها الدعم العسكري والمالي منذ أشهر وبشكل كامل !

 

ورغم كل هذه المعطيات وغيرها، والتي كان يفترض أن تدفع قوى الثورة والمعارضة للمطالبة بتغييرها من أجل تعديل الكفة في الميدان ما أمكن، إلا أن الجميع توجه بشكل لا إرادي، وكأن بوصلة الثورة بروحها ومبادئها وقيمها هي من يحرك، نحو المطالبة بتنفيذ مطالب إنسانية محضة.

ثلاثة مطالب لا يمكن أن تجد من يعترض عليها إذا كان لديه ذرة أخلاق أو ضمير، فضلاً على أن يقبل إدخالها في بازار السياسة والمفاوضات لتحقيق مكاسب، ناهيك عن أنها أصلاً وبعيداً عن الأخلاق، هي من صلب قرار أصدره مجلس الأمن قبل أسابيع فقط !

هذا الموقف الأخلاقي بكل عفويته، لا يعبر عن لحظة من تاريخ الثورة وحسب، بل يعتبر تجلياً جديداً لجوهر الثورة السورية، وإعادة المبادئ التي قامت عليها إلى الصدارة، ويضع النظام وحلفاؤه، بل والعالم بكامله مرة أخرى في مواجهة مباشرة مع أصالة الحامل القيمي فيها، حيث يتقدم الإنساني على السياسي، بل وإذا شئنا الدقة أكثر، فإنه يجدد المطالب ذاتها التي خرج من أجلها السوريون وما زالوا متمسكين بها بعد خمس سنوات كاملة من التضحيات، بما يثبت وبشكل لا يقل التشكيك، أن هدف الثورة لم يكن في أي يوم (السلطة أو الحكم) بل كان الهدف دائماً هو الانسان وحقوقه.

لا يشترط الثوار اليوم وقف القصف على منطقة دون أخرى من سوريا، كما لا يحددون أسماء المعتقلين حسب مناطقهم أو طوائفهم أو قومياتهم وهم يطالبون باطلاق سراحهم، بل إنهم حتى لا يميزون بين الثائر والمعارض الحقيقي الذي اعتقل نتيجة موقفه السياسي، وبين من اعتقل بشكل عشوائي من السوريين، والذين بينهم كما هو معروف، الكثير من الحياديين أو حتى الذين كانوا مؤيدين للنظام قبل اعتقالهم .. وكذلك بالنسبة للمناطق المحاصرة التي يموت الناس فيه جوعاً ومرضاً كما لم يحدث إلا في صفحات سوداء من التاريخ، فإنك لا يمكن أن تحصل على فرز حقيقي يميز بين المدني المؤيد للثورة، والمدني الآخر الذي قد يكون مؤيداً للنظام أو ليس صاحب موقف، ومع ذلك يعاقبهم هذا النظام وحلفاؤه بشكل جماعي !

قد تحمل جولات وأيام المفاوضات في جنيف تحولات سلبية أو إيجابية، وقد تنسحب هيئة التفاوض من هناك وقد تستمر، إلا أن كل ذلك لن يغير شيئاً من حقيقة أن الثورة أثبتت مرة أخرى، للشعب السوري بكل انتماءاته ومواقفه، وللعالم بكامله، أنها كانت دائماً فعلاً إنسانياً خالصاً، وأن كل ما عدا ذلك كان "تابعاً" طارئاً أنتجه أعداء هذه الثورة وتخاذل (أصدقائها) أو ضعفهم، بالإضافة إلى صمت المحايدين ! 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات