حوران ما بين مطرقة الأسد وسندان فتن الموك

في أواخر الشهر الماضي من العام المنصرم 2015 وبعد سلسلة غارات جوية مكثفة نفذها الطيران الحربي الروسي والأسدي على مدينة الشيخ مسكين، نفذت عصابات الأسد  مدعومة بميليشيات إيرانية وشيعية هجوما بريا مباغتا على مدينة الشيخ مسكين وما حولها نجحت من خلاله في السيطرة على اللواء 82 واجزاء من المدينة، وعلى إثر ذلك تداعت الفصائل المسلحة من إسلامية وجيش حر ملبية نداء الفزعة، حيث نجحت في استيعاب الصدمة ووقف تقدم القوات المهاجمة لتبدأ هجوما مضاداً حاولت من خلاله استعادة ما خسرته من مواقع.

اللافت للنظر أن معظم الفصائل التي تولت التصدي للهجوم على الشيخ مسكين لم تكن تتبع غرفة عمليات الموك وبمعنى أصح كانت عبارة عن قوات من فصائل الجيش الحر في كل من نوى وتسيل وابطع وداعل وعتمان، لتلحق بها حركة المثنى الإسلامية وجبهة النصرة التي نفذ أحد عناصرها عملية استشهادية أدت أو كادت تؤدي لتحرير اللواء 82.

على إثر هذا الصمود الذي أفشل عملية الإقتحام وباشر بعملية تحرير ما إحتله نظام الأسد من  مدينة الشيخ مسكين، وخوفا من إنقلاب موازين القوى لصالح الفصائل المستقلة والإسلامية تحركت غرفة الموك التي تديرها وتشرف عليها عدة أجهزة استخبارات دولية ومحلية يهمها ألا يخسر الأسد في حوران وأن يكون في موقع تفاوض قوي يسمح بفرض التسوية التي يراها المجتمع الدولي مناسبة لسورية.

التواصل بين نظام الأسد والأردن لم ينقطع يوما حيث الزيارات المكوكية لعلي مملوك إلى الأردن حيث تحتضن غرفة عمليات الموك التي ربما تكون قد أوعزت بدورها إلى فصائلها بعدم المشاركة في الدفاع عن المدينة، فقد كانت الخطة واضحة وتقضي بتسليم المدينة لنظام الأسد الذي كان بحاجة إلى بعض الإنتصارات على الأرض قبل إنطلاق قطار التسوية السياسية من جنيف.

إصرار الفصائل المستقلة كالمثنى وجبهة النصرة والمعتز بالله وأحرار نوى وبعض الكتائب الصغيرة على المقاومة والتصدي للإقتحام، هو ما أفسد على النظام خطته خاصة بعد فشله في استغلال عاملي المفاجاة ووقوة الصدمة النارية، ماحول مدينة الشيخ مسكين إلى قضية رأي عام أجبرت فصائل الموك على إرسال مجموعات من عناصرها إلى المدينة في محاولة لامتصاص غضب الشارع. 

فشلت مسرحية تسليم المدينة لعصابات الأسد فتم اللجوء إلى الأساليب التي تتقنها أجهزة الاستخبارات الدولية، فكانت عمليات الاغتيال والخطف التي طاولت العديد من رافضي مشروع التسوية وسياسات الموك كأمير جبهة النصرة، وكذلك اغتيال رئيس محكمة دار العدل في حوران واتهام حركة المثنى بالجريمة، ولا ننسى اختطاف رئيس مجلس محافظة درعا، وأيضا اتهام حركة المثنى بالحادثة حيث قيل إنه قد تم تحريره من احد مقرات حركة المثنى في صيدا البعيدة عن مقرات المثنى الرئيسية، وهو الأمر الذي نفته حركة المثنى التي لم يكن لها مصلحة في هذا الإختطاف.

إثارة الفتن في حوران

إثارة الفتن لم تتوقف عند هذا الحد، بل تعدته إلى محاولة إستثارة جيش العشائر من خلال إختطاف ابن احد قادته حيث تم اتهام حركة المثنى بالعملية لنكتشف لاحقاً أن فصيلا آخر هو من قام بعملية الاختطاف التي تسببت باندلاع إشتباكات محدوده بين جيش العشائر والفصيل الذي نفذ عملية الاختطاف.

عندما نتحدث عن الفتن ولفت انتباه الشارع عن الأحداث العظام على ساحة حوران فلابد لنا أن نستذكر الفتنة العشائرية بين عائلتي المسالمة والمحاميد والتي هددت بنسف النسيج الإجتماعي لمدينة درعا لولا أن تداركتهم رحمة الله ولطفه ليوحدهم هجوم مباغت قامت به عصابات الأسد على حي المنشية في مدينة درعا.

عن حركة المثنى الإسلامية

لعل ما يميز حركة المثنى الإسلامية هو استقلالها التام عن كافة الفصائل وغرف العمليات، لكنها ومع ذلك شاركت وبفعالية في معظم معارك حوران وغرف العمليات العسكرية، فهي أحد أهم الفصائل المسلحة في جنوب سورية، وبالتالي أحد مكونات الثورة والمجتمع الحوراني، حيث قدمت الكثير من التضحيات كغيرها من فصائل الجيش الحر والفصائل الإسلامية، وساحات حوران تشهد على بطولات مجاهديها ولا ينكر ذلك إلا جاحد أو مغرض، لكنني وفي نفس الوقت لا أبرئ حركة المثنى من التجاوزات ولا أزكي على الله أحدا.

صحيح أن حركة المثنى قد اعتزلت قتال تنظيم الدولة الإسلامية ولواء شهداء حوران المتهم بمبايعته للتنظيم، إلا أن مما يسجل للحركة هو احتفاظها بعلاقات طيبة مع معظم الفصائل المسلحة في حوران ومن ضمنها جبهة النصرة، فهي ومنذ نشأتها تحاول أن يكون لها هويتها المستقلة الخاصة بها، وخلافها مع بعض الفصائل كفرقة شباب السنة ولواء المعتز بالله كانت عابرة ولها أسبابها التي فرضتها حالة الفوضى وغياب التنسيق الجيد بين الفصائل، وبالتالي فإن هكذا خلافات لا يمكن ان تبرر بحال من الأحوال حملات شيطنة الحركة وصولا إلى قتالها وتصفيتها، خاصة بعد أن وصل التصعيد ذروته بإعلان فصائل الموك الحرب على الحركة ببيان حرب وقع عليه جيشان وثمانية فرق ولواءان.

الخلاف بين المثنى وفصائل الجيش الحر

لو عدنا إلى الخلاف بين حركة المثنى وفرقة شباب السنة لوجدنا أن أسبابه تعود إلى خلاف على تقاسم الغنائم وهو أمر يمكن أن نتفهمه خاصة في ظل تركيز الحركة على الدعم الذاتي المستقل من خلال ما تغنمه في معاركها وما يجود به أنصارها عليها من دعم مادي، أما خلاف الحركة مع المعتز بالله فقد كان حول قيام المعتز بوضع محارس مواجهة لمحارس الحركة في منطقة تعتبرها الحركة منطقة نفوذ لها، وفي كلتا الحالتين تم احتواء الخلاف بين الحركة وكل من شباب السنة والمعتز بالله.

جيش اليرموك بدوره ورغم المآخذ الكثيرة عليه كونه الفصيل الذي حظي بحصة الأسد من الدعم المالي والعسكري المقدم لحوران من خلال وجود قائده بشار الزعبي في موقع قيادة عمليات الجبهة الجنوبية، والذي تراجع لصالح فصائل اخرى تتبع الموك كفرقة شباب السنة الا انه يبقى أحد أهم الفصائل المسلحة في حوران وله بصمته التي تركها على الساحة السورية. 

لعله من نافل القول والإنصاف أن نعطي كل ذي حق حقه وألا نننكر لبشر فضلاً، فنحن في زمن تشتدت فيه الحملة على أمتنا وتغيرت فيه المفاهيم وكثر فيه اللغط والنفاق وهضم الحقوق  وأصبح فيه الكثير ممن إذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر وإذا وعد أخلف، هو زمان تزيف فيه الحقائق ويزور فيه التاريخ وينكر فيه فضل الأفاضل، ويتم فيه بجرة قلم شطب تضحيات من ضحى وجهد من جاهد واجتهد.

تعددت مشارب الفصائل السورية المسلحة وتنوعت توجهاتها وأجنداتها وكذلك ولاءها، فمن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من الإسلامي الى العشائري والعلماني، وحتى الرمادي، وحوران لم تكن لتشذ عن القاعدة، لكن تبقى الحقيقة الثابتة هي أن غالبية الفصائل في حوران شاركت في قتال النظام وقدمت التضحيات وإن بنسب متفاوتة ولأهداف وأسباب مختلفة، فمن المقاتل دفاعا عن العقيدة والدين إلى المقاتل بدافع الوطنية إلى الباحث عن السلطة والنفوذ والدعم المالي والعسكري.

إعلان الحرب على حركة المثنى

حوران اليوم على شفير هاوية نتيجة الخلافات المتصاعدة مؤخراً وتبادل الإتهامات بين حركة المثنى الإسلامية من جهة وجيش اليرموك وبعض الفصائل المسلحة من جهة أخرى، والتي توجت ببيان إعلان حرب من قبل فصائل الموك على حركة المثنى وهو ما يمكن اعتباره وبلا أدنى شك فتنة باتت تهدد وحدة حوران ونسيجها الاجتماعي من خلال حرب إخوة تزامنت مع الهجمة الشرسة التي يشنها نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين على كافة الجبهات في سورية خاصة مع تسارع الحديث عن التسوية السياسية وقرب إنطلاق مفاوضاتها بين نظام الأسد وهيئة المفاوضات التي أفرزها مؤتمر الرياض في السعودية.

هل علم المندفعون إلى هذه الحرب بأن وقودها هو دم شبابنا الحرام، الذي سيسأل عنه قادة الفصائل أمام رب العباد عندما سيقفون طويلا ليسأل فيجيبون عن سبب إراقة كل قطرة دم حرام في حوران، أي خلاف هذا الذي يستدعي اتحاد جيشين وثمانية فرق ولوائين على حركة مجاهدة كل ذنبها أنها رفضت الإنخراط في مشاريع التسوية؟. ألم يكن بالإمكان احتواء أي خلاف من خلال تنازل الأطراف كافة؟. أليس الحوار بين إخوة الدم والعقيدة أولى من الحوار مع نظام عنصري طائفي؟

البدء بتصفية الفصائل الموضوعة على قوائم الإرهاب

إنها حرب قوائم الإرهاب التي وضعها الأردن الشقيق بالتعاون مع نظام الأسد المجرم حيث بات واضحا ان المخطط يقضي بالتخلص من هذه الفصائل وعلى رأسها جبهة النصرة التي وعلى ما يبدو أنهم أخرو مسألة تصفيتها فبدأو بحركة المثنى ربما ظنا منهم أن مسألة تصفيتها ستكون أسهل وأسرع من تصفية جبهة النصرة التي نذكر جميعا كيف ان فصائل الموك قد أصدرت في الشهر الرابع من العام 2015 وفي وقت واحد بيانات غير بريئة تتبرأ فيها من جبهة النصرة التي رفضت فصائل الموك مشاركتها في عاصفة الجنوب فانسحبت، وكذلك فعلت في الشيخ مسكين بعد ضغط من نفس الفصائل، التي لا أشك ولو للحظه أنها وبعد انتهائها من المثنى ستتفرغ لإنهاء وجود جبهة النصرة في حوران.

نصيحة وتذكير

يبقى أن أذكر فصائل الموك بأن صديقك من صَدَقَكَ القول لا من صَدقَك، واعلموا أن شعبنا بات واعيا لا ينفع معه المراوغة ولا التضليل، وأن مهاجمة مقرات الحركة في صيدا وكحيل قد أفرز مهاجمة الحركة لمقرات اليرموك في نصيب، وبالتالي فإن لكل فعل رد فعل، لكن وفي نفس الوقت علينا أن نعلم أن حركة المثنى الإسلامية مكون هام من مكونات ثورتنا، وعناصرها هم أبناء حوران ولهم أهل وعشائر، ودماؤهم ليست مستباحة، فدعوا عنكم الفتنة والدم الحرام ودونكم عصابات الأسد وروسيا وإيران والميليشيات الطائفية التي قدمت الينا من كل حدب وصوب، ودونكم مدينة الشيخ مسكين التي بات سقوطها بيد عصابات الأسد قاب قوسين أو أدنى.

ختاما فإن مما حفظته عن والدي عليه رحمة الله مقولة قالها لي خلال حديث حول إحدى مشاكل حوران، يومها قال لي بالحرف: "يا بني حوران شيطانها صغير وأكبر مشكلة فيها بتنحل على فنجان قهوة". فهل لازال شيطانها صغيراً أم انه كبر بفعل الدولار والريال والدرهم، الجواب عندكم وإعلموا أنكم إلى ربكم راجعون وسينبئكم بما كنتم تعملون، وأنكم عن كل قطرة دم مسؤولون" ألا هل بلغت اللهم فاشهد".