المعارضة السورية: الكمية أم النوعية

 المعارضة السورية: الكمية أم النوعية
قررت الهيئة العليا للمفاوضات تشكيل وفد تفاوضي يُمثّل المعارضة السورية في مؤتمر جنيف الثالث يضم نحو ستين من المعارضين السوريين، يُقسمون إلى ثلاثة أقسام شبه متساوية، بحيث يكون الثلث الأول هو الوفد المفاوض الأساسي، ومثلهم وفد احتياطي، والثلث الأخير كمستشارين وخبراء.

الوفد الأساسي يتألف من 17 اسماً باتت معروفة للجميع، أما الأسماء الـ 45 الأخرى فهي مازالت قيد البحث والتوافق النهائي، وقد تم هذا التوسيع العددي الكبير فيما تُعتقد أنه رغبة منها على أن يرافق الوفد المفاوض إلى جنيف أكبر عدد من المستشارين والشيوخ والخبراء لمتابعة المفاوضات عن كثب ومراقبة أداء الوفد الأساسي ومؤازرته وتأمين دعم لوجستي ومعلوماتي له، وأيضاً من أجل تطبيق مبدأ (من لم يحضر ولادة عنزته ستلد له جرواً)، وإن استمرت خطة الهيئة فسيشارك في المؤتمر مباشرة ومواربة نحو 60 شخصاً عداً ونقداً.

بالمقابل، قررت موسكو في لحظة تجلّي أن تفرض وفداً ثانياً على المعارضة السورية، أو بأدنى تقدير أن تضيف لوفد الهيئة العامة للمفاوضات شخصيات تقول إنها مُعارضة وتضمن تمثيلاً أشمل، بينما هي بالفعل تستخدم شخوصاً مشكوكاً بتوجهاتهم وأجنداتهم وعلاقاتهم كبيضة قبان لسياستها وسياسة النظام، وتضم القائمة الروسية 15 شخصاً، غالبيتهم غير مُرحّب به لا من وفد المعارضة الأول ولا من السوريين المناوئين للنظام عموماً، وأرادت روسيا أن تضيفهم لتصبح المفاوضات ثلاثية ويختلط الحابل بالنابل، ووفق (تسريبات) سيأتي مع هؤلاء مثلهم للمؤازرة والدعم اللوجستي والفكري و(التصفيق)، وإن استمر الإصرار الروسي فهذا يعني أن وفد المعارضة التفاوضي الشامل سيصبح بحدود 90 شخصاً عداً ونقداً.

ليست هذه كل الحكاية، فـ (المبدع) في اختراع الحلول المبعوث الأممي لسورية ستيفان دي مستورا، صاحب مبادرة (فتح الحدود لكل من يريد أن يقاتل مع الأكراد) ومبادرة (تجميد القتال في حلب وحدها) ومبادرة (اللجان الأربع المخالفة لجنيف)، قدّم فكرة جديدة، مفادها أنه يؤيد وجود وفد إضافي في المفاوضات بصفة مراقب يُمثل جماعات المجتمع المدني، لقناعته بأنهم الأكثر توازناً وقدرة على تقدير الممكن والأولويات، وبغض النظر عن جدوى الفكرة، فإنها عملياً تستند لإضافة نحو 15 مراقباً يرافق المفاوضات، وإن استمر إصرار دي مستورا على لعبته وأقنع أصحاب الحل والعقد، فهذا يعني أن وفد المعارضة التفاوضي الأكثر شمولاً سيصبح بحدود 105 أشخاص.

بعيداً عن طريقة اختيار الأشخاص وتقييمهم ومؤهلاتهم، وهو بالمناسبة موضوع يطول الحديث عنه، وبعيداً عن مدى قدراتهم الذاتية ومستوى مهاراتهم في التفاوض وإمكانية انسجامهم مع بعضهم، ومدى توافق السياسي مع العسكري فيهم، واليساري منهم من الإسلامي، والقومي والناصري من الكردي، والعلماني من السلفي، بعيداً عن كل هذا يمكن التذكير بأن حضور 105 أشخاص لمباراة في كرة القدم سيجعل الملعب صاخباً مليئاً بالهرج والمرج والضجيج.

تريد موسكو ومعها الأمم المتحدة أن يحضر المفاوضات 105 أشخاص، معروفون وغير معروفين، شباب وكهول، بتاريخ نضالي ومستحدثين، من كل الاتجاهات والقوميات والأعراق والأديان والمذاهب والجماعات والعشائر، جيش صغير من المفاوضين له عشرات الأصوات غير المنسجمة ولا المتفقة فيما بينها حتى على الحد الأدنى، وإن تجاوبت معها المعارضة السورية سينتج عن هذا الأمر مشكلتان رئيسيتان، الأولى تتعلق بالعدد والثانية تتعلق بالنوع.

بالنسبة للعدد، يعتقد بعض المعارضين السوريين أن "من زاد العدد عاد بالغنائم"، وهم بذلك ربما يكونون مخطئين، فهذا الاعتقاد لا يصلح لهذا المقام، لأن المفاوضات ليست حرباً عددية ولا تظاهرة أو مسيرة جماهيرية، ولا هي استعراض لحملة الأوراق والأضابير، ولا مباراة لمن يملك شعبية أكبر، والزيادة العددية قد تكون عنصراً إيجابياً في الحرب الميدانية، ومؤشر نجاح في صالات المسرح والسينما والمعارض، ودليل أهمية في الندوات العلمية والمؤتمرات العامة، لكنها بلا شك عنصراً سلبياً في مفاوضات تسعى لإنهاء حرب طاحنة متداخلة محلياً ودولياً، وللتذكير فإن كثيراً من مفاوضات السلام لحروب دولية دامية وقاسية اعتمدت على سبعة من المفاوضين فقط.

أما نوعياً، فيبدوا أن المعارضة السورية تنسى أن التفاوض هو علم واسع يخوضه عادة الأكثر خبرة من (عتاولة) السياسة ومُنظّري الثورات وقادتها السياسيين والميدانيين، وليست نزهة تسترضي بها شخصاً أو مجموعة، ولا حقل تجارب للهواة والمُعجبين بأنفسهم والمغرورين، وليست أرضاً لتلك الصبية المغناجة أو ذاك الشاب المُختال، ولا هي جائزة ترضية لـ (أطفال) السياسة (رغم كهولة بعضهم) الذين يُروّجون بأنهم صانعوا الثورة، وللتذكير أيضاً فإن كثيراً من مفاوضات السلام لثورات هامة نجحت بسبب اعتمادها على عتاة الثورة وأكثرهم خبرة بالسياسة والعسكرة وأكثرهم وطنية.

أمام هذا الجيش الصغير، قد يُرسل النظام وفداً من ثلاثة مفاوضين، هذا إن كان ذكياً ـ ولكن لحسن الحظ هو ليس كذلك ـ عندها سينهار وفد المعارضة كلياً، ولن يستطيع فعل أي شيء أمام ثلاثة ممثلين للنظام مجهزين بثلاثة خطوط هاتفية مفتوحة مع قصر الكرملين وقصر المهاجرين وقصر الخامنئي.

من الخطورة بمكان إرسال وفد معارضة بهذا الحجم، ولا حتى ربعه، كائناً من كان فيه، ومن الخطورة أكثر أن تنفصل (المعارضة) السورية إلى وفدين أو ثلاثة كائناً من كان وراءهم، والأكثر والأشد خطورة أن يُشارك في المفاوضات أشخاص من غير القادرين على خوض مفاوضات يُتوقع لها أن تكون شرسة للغاية، طرفها الآخر وفد للنظام مّتلوّن مؤدلَج، سلطوي ديماغوجي مزاود وانتهازي، ربيب أجهزة استخبارات قمعية لها تاريخها (غير المُشرّف)، وفد مخادع قادر على المماطلة واللف والدوران واللعب بـ (الثلاث ورقات)، ووفق التعبير السوري (أنصاف شبيحة).

إن المشاركة بالوفد التفاوضي ليست ميّزة وإنما مسؤولية، ومن يُفترض أن يحملها هو الأجدر وليس الأعلى صوتاً والأكثر ادعاءً، وبما أن النتائج تُعرف من المقدمات، فإن وفداً كالمذكور أعلاه سيُنتج قرارات لن تُرضي صديقاً ولن تُغيظ عدواً.

التعليقات (2)

    Alan

    ·منذ 8 سنوات 3 أشهر
    اسعد الزعبي خدم 20 سنة في نظام الاسد وفي حزب البعث ، رياض حجاب خدم 25 سنة في حزب البعث وكان محافظ اللاذقية وبعدها وزير الزراعة ورئيس للوزراء ، رياض نعسان اغا خدم البعث 30 سنة وكان عضو مجلس الشعب ووزير الثقافة ...!! المعارضة لا تتشكل في يوم واحد ، ربما يكونون ضد الحل الامني اللذي اتبعه النظام لكن بكل تاكيد لا يمكن ان تخدم النظام والبعث 30 سنة وثم فجأة تصبح معارض ...!! الاسماء اللتي ذكرتها هم معارضين حين كان حجاب ونعسان والزعبي في مواقع السلطة ومستفادين ويخدمون النظام

    مجاهد السمعان - عقيد ركن متقاعد

    ·منذ 8 سنوات 3 أشهر
    المعارضين الثلاثة الذين ذكرتهم هم من أشرف الناس وأنبلهم وعندما كانوا في خدمة النظام على مضض كانوا يوجهون النض ، بل والإتهام ولو بصوت هادئ وحسبما تسمح الفرص وعندما تفجرت ثورة الشعب ضد آل الأسد وظلمهم وطائفيتهم وجدوا الفرصة سانحة للإنضمام لها بدلاً من المعانات الأخلاقية والسياسة في الإستمرار في العمل في صفوف النظام ولو بحماسة أقل ما يقال فيها أنها جلد للذات وقبول أمر واقع مؤلم ومثل هؤلاء هم الثوار الحقيقيين يا صاحبي
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات